اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟ "1. وأخبر في الحديث الآخر أن أمته "ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة. قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي"2.
إذا عرف هذا فمعلوم ما قد عمت به البلوى من حوادث الأمور، التي أعظمها الإشراك بالله، والتوجه إلى الموتى، وسؤالهم النصر على الأعداء، وقضاء الحاجات، وتفريج الكربات التي لا يقدر عليها إلا رب الأرض والسماوات، وكذلك التقرب إليهم بالنذور، وذبح القربان، والاستغاثة بهم في كشف الشدائد وجلب الفوائد، إلى غير ذلك من أنواع العبادة التي لا تصلح إلا الله.
وصرف شيء من أنواع العبادة لغير الله كصرف جميعها، وإنه سبحانه أغنى الأغنياء عن الشرك، ولا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا، كما قال تعالى: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} 3.
[من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم فقد عبدهم]
فأخبر سبحانه أنه لا يرضى من الدين إلا ما كان خالصا لوجه الله، وأخبر أن المشركين يدعون الملائكة والأنبياء والصالحين ليقربوهم إلى الله زلفى، ويشفعوا لهم عنده، وأخبر أنه لا يهدي من هو كاذب كفار، فكذبهم في هذه الدعوى وكفَّرهم فقال: {إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} 4. وقال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ، قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} 5.
فأخبر أن من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة فقد عبدهم وأشرك بهم، وذلك أن الشفاعة كلها لله كما قال: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} 6، فلا يشفع عنده أحد إلا بإذنه كما قال تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} 7.