بجهلك بلغة العرب، وما يجوز على الله، وما يمتنع عليه أن ذلك لا يجوز في حقه -تبارك وتعالى-، وذلك أن الله -تعالى- مُسْتَوْلٍ على الكونيْن والجنة والنار وأهلها. فأيّ فائدة في تخصيص العرش؟ وأيضًا الاستيلاء يكون بعد قهر وغلبة، والله تعالى منَزه عن ذلك.

وقد أخرج اللالكائي في "السنة" عن ابن الأعرابي -وهو من أكابر أئمة اللغة- أنه سئل عن معنى: {اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} 1 فقال: هو على عرشه كما أخبر، فقيل: يا أبا عبد الله، معناه استولى؟ فقال: اسكت. لا يقال: استولى على الشيء إلا إذا كان له مضادٌّ، فإذا غلب أحدهما. قيل: استولى.

وقد ذكر غير واحد من أهل العلم أن الاستواء في لغة العرب يطلق على معانٍ متعددة:

(أحدها): بمعنى الاستقرار، كقوله: {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} 2.

(ثانيها): بمعنى الاستيلاء، ومنه قول الشاعر:

فلما علونا واستوينا عليهم ... تركناهم صرعى لنسر وكاسر

(وثالثها): القصد والإقبال على الشيء، كقول القائل: "كان الأمير يدبر أمر الشام، ثم استوى إلى أهل الحجاز". أي: تحول فعله وتدبيره إليهم.

(رابعها): أنه بمعنى التمام والكمال، كقوله -تعالى-: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى} 3 أي: كمل عقله.

فتبين بذلك كذب هذا المفتري وجهله بلغة العرب، وما أحسن ما قال بعضهم: "أكثر ما يفسد الناس نصف متكلم، ونصف متفقه، ونصف متطبب، ونصف نحوي. هذا يفسد الأديان، وهذا يفسد البلدان، وهذا يفسد الأبدان وهذا يفسد اللسان".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015