وأما النفاق الأصغر: فهو نفاق الأعمال ونحوها، مثل أن يكذب إذا حدَّث، ويُخلف إذا وعد، أو يخون إذا ائتُمِنَ، للحديث المشهور عنه صلى الله عليه وسلم قال: "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتُمِنَ خان، وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم"1.
[صفات المنافقين]
ومن هذا الباب: الإعراض عن الجهاد، فإنه من خصال المنافقين لقوله صلى الله عليه وسلم: "من مات ولم يَغْزُ، ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق"2 رواه مسلم.
وقد أنزل الله سورة براءة التي تُسَمَّى الفاضحة؛ لأنها فضحت المنافقين كما قاله ابن عباس رضي الله عنه- قال: "هي الفاضحة، ما زالت تنْزل (ومنهم، ومنهم) حتى ظنوا أن لا يبقى أحد إلا ذُكِرَ فيها"، وعن المقداد بن الأسود قال: هي سورة البَحُوث؛ لأنها بحثَتْ عن سرائر المنافقين. وقال قتادة: هي المثيرة؛ لأنها أثارت مخازي المنافقين.
وهذه السورة نزلت في آخر مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غزوة تبوك، وقد أعز الله الإسلام وأظهره؛ فكشف فيها عن أحوال المنافقين، ووصفهم فيها بالجبن والبخل. فأما الجبن فهو: ترك الجهاد، وأما البخل فهو: عن النفقة في سبيل الله.
وقال تعالى: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ} 3 الآية. وقال: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} 4 الآية.
فأما وصفهم فيها بالجبن والفزع فقد قال تعالى: {وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً} 5 يلجؤون إليه مثل المعاقل والحصون {أَوْ مَغَارَاتٍ} يغورون فيها كما يغور الماء، {أَوْ مُدَّخَلًا} وهو الذي يتكلف الدخول إليه ولو بكُلْفَة ومشقة، {لَوَلَّوْا إِلَيْهِ} عن الجهاد {وَهُمْ يَجْمَحُونَ} 6 أي: يسرعون إسراعا لا يردهم شيء؛ كالفرس الجَمُوح الذي إذا حمل لم يرده اللجام. وقد قال تعالى:
{إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ