وتوسط في المحجة، وقنع في قبول الحق بالحجة، كان ذلك طريقه ونهجه وأشرق في صدره مصباح القبول، وأوقد فيه بزيت المعرفة والوصول، وكان من ضوء التوحيد على حصول، قال ابن القيم -رحمه الله- في "الإغاثة"*: قال صلى الله عليه وسلم: "لا تتخذوا قبري عيدا"1، وقال: "للهم لا تجعل قبري وثنا يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"2، وفي اتخاذها عيدا من المفاسد ما يغضب لأجله من في قلبه وقار لله وغيرة على التوحيد، ولكن * ما لجرح بميت إيلام * منها الصلاة إليها والطواف بها، واستلامها وتعفير الخدود على ترابها وعبادة أصحابها، وسؤالهم النصر والرزق والعافية، وقضاء الديون، وتفريج الكربات التي كان عباد الأوثان يسألونها أوثانهم.

وكل من شم أدنى رائحة من العلم يعلم أن من أهم الأمور سد الذريعة إلى ذلك، وأنه صلى الله عليه وسلم أعلم بعاقبة ما نهى عنه، وأنه يؤول إليه، وإذا لعن من اتخذ القبور مساجد يعبد الله فيها، فكيف بملازمتها واعتياد قصدها وعبادتها؟ ومن جمع بين سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبور، وما أمر به، وما نهى عنه، وما عليه أصحابه، وبين ما عليه أكثر الناس اليوم، رأى أحدهما مضادا للآخر. فنهى عن اتخاذها مساجد؛ وهؤلاء يبنون عليها المساجد. ونهى عن تسريجها، وهؤلاء يوقفون الوقوف على إيقاد القناديل بل عليها. ونهى عن أن تتخذ عيدًا، وهؤلاء يتخذونها أعيادا، ونهى عن تشريفها، وأمر بتسويتها كما في صحيح مسلم عن علي رضي الله عنه وهؤلاء يرفعونها ويجعلون عليها القباب. ونهى عن تجصيص القبر والبناء عليه كما في صحيح مسلم عن جابر، ونهى عن الكتابة عليها كما رواه الترمذي في صحيحه عن جابر، ونهى أن يزاد عليها غير ترابها كما رواه أبو داود عن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015