الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين من أهل مكة يخبرهم بشأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسيره لجهادهم ليتخذ بذلك يدا عندهم يحمي أهله وماله بمكة. فنَزل الوحي بخبره. وكان قد أعطى الكتاب ظعينة جعلته في شعرها، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا والزبير في طلب الظعينة، وأخبر أنهما يجدانها في روضة خاخ. فكان ذلك، فتهدداها حتى أخرجت الكتاب من ضفائرها، فأتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم. فدعا حاطب بن أبي بلتعة فقال له: ما هذا؟ فقال: يا رسول الله إني لم أكفر بعد إيمان، ولم أفعل هذا رغبة عن الإسلام، وإنما أردت أن تكون لي عند القوم يد أحمي بها أهلي ومالي، فقال -صلى الله عليه وسلم-: صدقكم خلوا سبيله. واستأذن عمر في قتله فقال: دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال: وما يدريك أن الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم". وأنزل الله في ذلك صدر سورة الممتحنة فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} 1 الآيات، فدخل حاطب في المخاطبة باسم الإيمان ووصفه به، وتناوله النهي بعمومه وله خصوص السبب الدال على إرادته، مع أن في الآية الكريمة ما يشعر أن فعل حاطب نوع موالاة، وأنه أبلغ إليهم بالمودة، فإن فاعل ذلك قد ضل سواء السبيل؛ لكن قوله "صدقكم خلوا سبيله" ظاهر في أنه لا يكفر بذلك إذا كان مؤمنا بالله ورسوله غير شاك ولا مرتاب، وإنما فعل ذلك لغرض دنيوي. ولو كفر لما قيل: "خلوا سبيله". لا يقال قوله صلى الله عليه وسلم لعمر: "وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم"2 هو المانع من تكفيره، لأنا نقول: لو كفر لما بقي من حسناته ما يمنعه من لحاق الكفر وأحكامه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015