العلماء من ذوي الألباب. ومن رزق الفهم عن الله وأوتي الحكمة وفصل الخطاب. والكلام في هذا يتوقف على معرفة ما قدمناه، ومعرفة أصول عامة كلية لا يجوز الكلام في هذا الباب وفي غيره لمن جهلها وأعرض عنها وعن تفاصيلها؛ فإن الإجمال والإطلاق، وعدم العلم بمعرفة مواقع الخطاب وتفاصيله، يحصل به من اللبس والخطأ وعدم الفقه عن الله ما يفسد الأديان، ويشتت الأذهان، ويحول بينها وبين فهم القرآن. قال ابن القيم في كافيته -رحمه الله تعالى-:
فعليك بالتفصيل والتبيين فالإ ... طلاق والإجمال دون بيان
قد أفسدا هذا الوجود وخبطا الأ ... ذهان والآراء كل زمان
وأما التكفير بهذه الأمور التي ظننتموها من مكفرات أهل الإسلام، فهذا مذهب الحرورية المارقين الخارجين على علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ومن معه من الصحابة، فإنهم أنكروا عليهم تحكيم أبي موسى الأشعري، وعمرو بن العاص في الفتنة التي وقعت بينه وبين معاوية وأهل الشام. فأنكرت الخوارج عليه ذلك، وهم في الأصل من أصحابه من قراء الكوفة والبصرة، وقالوا: حكمت الرجال في دين الله، وواليت معاوية وعمرا، وتوليتهما وقد قال -تعالى -: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} 1 وضربت المدة بينكم وبينهم، وقد قطع الله هذه الموادعة والمهادنة منذ أنزلت براءة. وطال بينهما النّزاع والخصام، حتى أغاروا على سرح المسلمين، وقتلوا من ظفروا به من أصحاب علي؛ فحينئذ شمر -رضي الله عنه- لقتالهم، وقتلهم دون النهروان بعد الإعذار والإنذار، والتمس المخدج المنعوت في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم وغيره من أهل السنن، فوجده علي فسرّ بذلك،