ولا ننكر أيضا أن لبعضهم قصدا حسنا فيما ذهب إليه وخفي عليه الحق فيه، ولكن لا يكفي لقبول القول حسن قصد قائله، بل لا بد أن يكون موافقا لشريعة الله - عز وجل - فإن كان مخالفا لها وجب رده على قائله كائنا من كان؛ لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» .
ثم إن كان قائله معروفا بالنصيحة والصدق في طلب الحق اعتذر عنه في هذه المخالفة، وإلا عومل بما يستحقه بسوء قصده ومخالفته.
فإن قال قائل: هل تكفرون أهل التأويل أو تفسقونهم؟
قلنا: الحكم بالتكفير والتفسيق ليس إلينا، بل هو إلى الله تعالى ورسوله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهو من الأحكام الشرعية التي مردها إلى الكتاب والسنة، فيجب التثبت فيه غاية التثبت فلا يكفر ولا يفسق إلا من دل الكتاب والسنة على كفره أو فسقه.
والأصل في المسلم الظاهر العدالة بقاء إسلامه وبقاء عدالته حتى يتحقق زوال ذلك عنه بمقتضى الدليل الشرعي. ولا يجوز التساهل في تكفيره أو تفسيقه؛ لأن في ذلك محذورين عظيمين:
أحدهما: افتراء الكذب على الله تعالى في الحكم، وعلى المحكوم عليه في الوصف الذي نبزه به.
الثاني: الوقوع فيما نبز به أخاه إن كان سالما منه. ففي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: «إذا كفر الرجل أخاه فقد باء بها أحدهما» . وفي رواية: «إن كان كما قال وإلا رجعت عليه» . وفيه عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ومن دعا رجلا بالكفر أو قال:عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه» .