والجواب عن السؤال الثالث من وجهين:
الأول: أن الحق لا يوزن بالرجال، وإنما يوزن الرجال بالحق، هذا هو الميزان الصحيح، وإن كان لمقام الرجال ومراتبهم أثر في قبول أقوالهم، كما نقبل خبر العدل ونتوقف في خبر الفاسق، لكن ليس هذا هو الميزان في كل حال، فإن الإنسان بشر يفوته من كمال العلم وقوة الفهم ما يفوته، فقد يكون الرجل دينا وذا خلق ولكن يكون ناقص العلم أو ضعيف الفهم فيفوته من الصواب بقدر ما حصل له من النقص والضعف، أو يكون قد نشأ على طريق معين أو مذهب معين لا يكاد يعرف غيره فيظن أن الصواب منحصر فيه ونحو ذلك.
الثاني: أننا إذا قابلنا الرجال الذين على طريق الأشاعرة بالرجال الذين هم على طريق السلف وجدنا في هذه الطريق من هم أجل وأعظم وأهدى وأقوم من الذين على طريق الأشاعرة، فالأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المتبوعة ليسوا على طريق الأشاعرة.
وإذا ارتقيت إلى من فوقهم من التابعين لم تجدهم على طريق الأشاعرة.
وإذا علوت إلى عصر الصحابة والخلفاء الأربعة الراشدين لم تجد فيهم من حذا حذو الأشاعرة في أسماء الله تعالى وصفاته، وغيرهما مما خرج به الأشاعرة عن طريق السلف.
ونحن لا ننكر أن لبعض العلماء المنتسبين إلى الأشعري قدم صدق في الإسلام والذب عنه، والعناية بكتاب الله تعالى وبسنة رسوله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رواية ودراية، والحرص على نفع المسلمين وهدايتهم، ولكن هذا لا يستلزم عصمتهم من الخطأ فيما أخطئوا فيه، ولا قبول قولهم في كل ما قالوه، ولا يمنع من بيان خطئهم ورده لما في ذلك من بيان الحق وهداية الخلق.