يقتضي إما رفع النقيضين أو جمع النقيضين، وهذا مستحيل، فإن ظن التعارض بينهما، فإما أن لا يكون تعارض ويكون الخطأ من الفهم، وأما أن يكون أحدهما ظنيا والآخر قطعيا) .
فإذا جاء الأمر الواقع الذي لا إشكال فيه مخالفا لظاهر شيء من الكتاب أو السنة؛ فإن ظاهر الكتاب يؤول حتى يكون مطابقا للواقع، مثال ذلك قوله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا} [الفرقان:61] ، وقال تعالى: {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا} [نوح: 16] ، أي: في السماوات.
والآية الثانية أشد إشكالا من الآية الأولى؛ لأن الآية الأولى يمكن أن نقول: المراد بالسماء العلو، ولكن الآية الثانية هي المشكلة جدا، والمعلوم بالحس المشاهد أن القمر ليس في السماء نفسها، بل هو في فلك بين السماء والأرض.
والجواب أن يقال: إن كان القرآن يدل على أن القمر مرصع في السماء كما يرصع المسمار في الخشبة دلالة قطعية؛ فإن قولهم: إننا وصلنا القمر ليس صحيحا، بل وصلوا جرما في الجو ظنوه القمر.
لكن القرآن ليس صريحا في ذلك، وليست دلالته قطعية في أن القمر مرصع في السماء؛ فآية الفرقان قال الله فيها: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا} ؛ فيمكن أن يكون المراد بالسماء العلو؛ كقوله تعالى: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} [الرعد: 17] ، والماء ينزل من السحاب المسخر بين السماء والأرض؛ كما قال الله تعالى: {وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [البقرة: 164] ، وهذا التأويل للآية قريب.
وأما قوله: {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا} ؛ فيمكن فيها التأويل أيضا بأن يقال: المراد لقوله: فيهن: في جهتهن، وجهة السماوات العلو، وحينئذ