وقد ذكر بعض أهل العلم: أنه ينبغي لمن استفتي أن يقدم بين يدي الفتوى الاستغفار لمحو أثر الذنب من قلبه حتى يتبين له الحق، واستنبطه من قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 105، 106] .
قوله: {تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} . خبر ثان لقوله: وإنه، وهو كقوله: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 192] ، وكقوله: {تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ} [فصلت: 2-3] ، فهو خبر مكرر مع قوله: لقرآن.
وتنزيل أي: منزل، فهي مصدر بمعنى اسم المفعول منزل من رب العالمين، أنزله الله على قلب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأنه محل الوعي والحفظ بواسطة جبريل، قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} .
وقوله: {مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} أي: خالقهم، ويستفاد من الآية ما يلي:
1 - أن القرآن نازل لجميع الخلق، ففيه دليل على عموم رسالة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
2 - أنه نازل من ربهم، وإذا كان كذلك فهو الحكم بينهم الحاكم عليهم.
3 - أن نزول القرآن من كمال ربوبية الله، فإذا أضيف إلى هذه الآية قوله تعالى: {تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ} ، علم أن القرآن رحمة للعباد أيضا، وربوبية الله مبنية على الرحمة، قال تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 2-3] ، وكل ما أمر الله به عباده أو نهاهم عنه، فهو رحمة بهم.
4 - أن القرآن كلام الله؛ لأنه إذا كان الله أنزله، فهو كلامه لا كلام غيره كما قاله السلف رحمهم الله، وهو غير مخلوق؛ لأن جميع صفات الله