حصرا، أي: ما الطيرة إلا ما أمضاك أو ردك لا ما حدث في قلبك ولم تلتفت إليه، ولا ريب أن السلامة منها حتى في تفكير الإنسان خير بلا شك، لكن إذا وقعت في القلب ولم ترده ولم يلتفت لها، فإنها لا تضره، لكن عليه أن لا يستسلم، بل يدافع، إذ الأمر كله بيد الله.
قوله: (ما أمضاك أو ردك) . أما (ما ردك) ، فلا شك أنه من الطيرة؛ لأن التطير يوجب الترك والتراجع.
وأما (ما أمضاك) ، فلا يخلو من أمرين:
الأول: أن تكون من جنس التطير، وذلك بأن يستدل لنجاحه أو عدم نجاحه بالتطير، كما لو قال: سأزجر هذا الطير، فإذا ذهب إلى اليمين، فمعنى ذلك اليمن والبركة، فيقدم، فهذا لا شك أنه تطير؛ لأن التفاؤل بمثل انطلاق الطير عن اليمين غير صحيح؛ لأنه لا وجه له، إذ الطير إذا طار، فإنه يذهب إلى الذي يرى أنه وجهته، فإذا اعتمد عليه، فقد اعتمد على سبب لم يجعله الله سببا، وهو حركة الطير.
الثاني: أن يكون سبب المضي كلاما سمعه أو شيئا شاهده يدل على تيسير هذا الأمر له، فإن هذا فأل، وهو الذي يعجب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لكن إن اعتمد عليه وكان سببا لإقدامه، فهذا حكمه حكم الطيرة، وإن لم يعتمد عليه ولكنه فرح ونشط وازداد نشاطا في طلبه، فهذا من الفأل المحمود.
والحديث في سنده مقال، لكن على تقدير صحته هذا حكمه.
* * *