«يورد ممرض على مصح» ، أي: لا يورد صاحب الإبل المريضة على صاحب الإبل الصحيحة، لئلا تنتقل العدوى.
وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فر من المجذوم فرارك من الأسد» .
والجذام مرض خبيث معد بسرعة ويتلف صاحبه، حتى قيل: إنه الطاعون، فالأمر بالفرار من المجذوم لكي لا تقع العدوى منه إليك، وفيه إثبات لتأثير العدوى، لكن تأثيرها ليس أمرا حتميا، بحيث تكون علة فاعلة، وأمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالفرار، وأن لا يورد ممرض على مصح من باب تجنب الأسباب لا من باب تأثير الأسباب بنفسها، فالأسباب لا تؤثر بنفسها، لكن ينبغي لنا أن نتجنب الأسباب التي تكون سببا للبلاء، لقوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] ، ولا يمكن أن يقال: إن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينكر تأثير العدوى؛ لأن هذا أمر يبطله الواقع والأحاديث الأخرى.
فإن قيل: إن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما قال: «لا عدوى. قال رجل: يا رسول الله! الإبل تكون صحيحة مثل الظباء، فيدخلها الجمل الأجرب فتجرب؟ فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فمن أعدى الأول؟» يعني أن المرض نزل على الأول بدون عدوى، بل نزل من عند الله -عز وجل- فكذلك إذا انتقل بالعدوى، فقد انتقل بأمر الله، والشيء قد يكون له سبب معلوم وقد لا يكون له سبب معلوم، فجرب الأول ليس سببه معلوما، إلا أنه بتقدير الله تعالى، وجرب الذي بعده له سبب