فإن قيل: لماذا لم يكن قوله {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} من باب القضاء القدري؟
أجيب: بأنه لا يمكن؛ إذ لو كان قضاء قدريا لعبد الناس كلهم ربهم، لكنه قضاء شرعي قد يقع وقد لا يقع.
والخطاب في الآية للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لكن قال: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} ، ولم يقل: "أن لا تعبد"، ونظير ذلك في القرآن قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق: 1] ؛ فالخطاب الأول للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والثاني عام؛ فما الفائدة من تغيير الأسلوب؟
أجيب: إن الفائدة من ذلك:
1 - التنبيه؛ إذ تنبيه المخاطب أمر مطلوب للمتكلم، وهذا حاصل هنا بتغيير الأسلوب.
2 - أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زعيم أمته، والخطاب الموجه إليه موجه لجميع الأمة.
3 - الإشارة إلى أن ما خوطب به الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهو له ولأمته؛ إلا ما دل الدليل على أنه مختص به.
4 - وفي هذه الآية خاصة الإشارة إلى أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مربوب لا رب، عابد لا معبود؛ فهو داخل في قوله: تعبدوا، وكفى به شرفا أن يكون عبدا لله عز وجل، ولهذا يصفه الله تعالى بالعبودية في أعلى مقاماته؛ فقال في مقام التحدي والدفاع عنه: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} [البقرة: 23] ، وقال في مقام إثبات نبوته ورسالته إلى الخلق: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} [الفرقان: 1] ، وقال في مقام الإسراء والمعراج {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الإسراء: 1] ، {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} [النجم: 10] .