وذو اتصال منه ما لا يبتدا ... ولا يلي إلا اختيارا أبدا
إشكال وجوابه:
إذا قيل: ثبت أن الله قضى كونا ما لا يحبه؛ فكيف يقضي الله ما لا يحبه؟
فالجواب: أن المحبوب قسمان:
1 - محبوب لذاته.
2 - محبوب لغيره.
فالمحبوب لغيره قد يكون مكروها لذاته، ولكن يحب لما فيه من الحكمة والمصلحة؛ فيكون حينئذ محبوبا من وجه، مكروها من وجه آخر.
مثال ذلك: الفساد في الأرض من بني إسرائيل في حد ذاته مكروه إلى الله؛ لأن الله لا يحب الفساد، ولا المفسدين، ولكن للحكمة التي يتضمنها يكون بها محبوبا إلى الله -عز وجل- من وجه آخر.
ومن ذلك: القحط، والجدب، والمرض، والفقر، لأن الله رحيم لا يحب أن يؤذي عباده بشيء من ذلك، بل يريد بعباده اليسر، لكن يقدره للحكم المترتبة عليه؛ فيكون محبوبا إلى الله من وجه، مكروها من وجه آخر.
قال الله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41] .
فإن قيل: كيف يتصور أن يكون الشيء محبوبا من وجه مكروها من وجه آخر؟
فيقال: هذا الإنسان المريض يعطى جرعة من الدواء مرة كريهة الرائحة واللون، فيشربها، وهو يكرهها لما فيها من المرارة واللون والرائحة، ويحبها لما فيها من الشفاء، وكذا الطبيب يكوي المريض بالحديدة المحماة على النار، ويتألم منها؛ فهذا الألم مكروه له من وجه، محبوب له من وجه آخر.