وإن أرادوا به نفي أن يكون بين صفات الخالق والمخلوق قدر مشترك مع تميز كل منهما بما يختص به - وهذا مرادهم - فهو باطل، لأنه قد علم بضرورة العقل أن كل موجودين قائمين بأنفسهما لا بد من قدر مشترك بينهما مع تميز كل واحد منهما بما يختص به، كاتفاقهما في مسمى الوجود، والذات والقيام بالنفس ونحو ذلك، ونفي هذا القدر تعطيل محض.
والقول بهذا المراد لا يمنع نفي ما يجب لله تعالى من صفات الكمال عند من يرى أن إثبات ذلك يستلزم التشبيه، فقد سبق أن أهل التعطيل من الجهمية والمعتزلة وغيرهم أدخلوا نفي الصفات في مسمى التوحيد وقالوا من أثبت لله علما، أو قدرة ونحو ذلك فهو مشبه غير موحد، وزاد عليهم غلاة الفلاسفة، والقرامطة فأدخلوا فيه نفي الأسماء وقالوا: من قال إن الله عليم قدير ونحو ذلك فهو مشبه غير موحد، وزاد عليهم غلاة الغلاة فقالوا: إن الله لا يوصف بما يتضمن إثباتا أو نفيا، فمن نفى عنه صفة، أو أثبت له صفة فهو مشبه غير موحد.
وقد سبق الرد على هؤلاء الطوائف في أول الرسالة ولله الحمد.
الوجه الرابع: قولهم: " واحد في أفعاله لا شريك له" وهذا أشهر أنواع التوحيد عندهم، ويعنون به أن خالق العالم واحد، ويظنون أن هذا هو التوحيد المطلوب وأن هذا معنى " لا إله إلا الله " فيجعلون معناها: لا قادر على الاختراع إلا الله.
ومعلوم أن هذا خطأ من وجهين:
الأول: أن هذا الذي قرروه قد أقر به المشركون الذين قاتلهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنهم لم يجعلوا لله شريكا في أفعاله كما قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}