معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أُرْسِلَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى -عليه السلام-. . . " فذكر الحديث كما تقدم، وفي آخره: فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فَلَوْ كُنْتُ ثَمَّ لَأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إِلَى جَانِبِ طرِيقٍ بِجَنْبِ الْكَثِيبِ الأَحْمَرِ".

رواه البخاري (?) عن يحيى بن موسى، ومسلم (?) عن محمد بن رافع كلاهما عن عبد الرزاق. فوقع بدلًا لهما عاليًا كالذي قبله.

اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي وَجهِ الْجَوَابِ عَن هَذَا الْحَدِيثِ، وَأَشْبَهُ مَا قِيلَ فِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: أن موسى -عليه السلام- لم يعرف أنه ملك الموت وإنما رأى رجلًا دخل منزله بغير إذنه يريد نفسه فدافع عن نفسه فلطمه ففقأ عينه، وهذا ذكره الإمام أبو بكر بن خزيمة، وارتضاه المازري والقاضي عياض.

وَالثَّانِي وهو الأقوى: أن موسى صلوات اللَّه عليه عرف ملك الموت، وأنه جاءه ليقبض روحه لكنه جاء برء الجازم بأنه قد أمر بقبض روحه من غير تخيير، وكان عند موسى مقررًا ما قد نص عليه نبينا -صلى اللَّه عليه وسلم- من أن اللَّه لا يقبض نبيًّا حتى يخيره، فلما جاءه ملك الموت على غير الوجه الذي علمه بادر بشهامته وقوة نفسه إلى أدب ملك الموت فلطمه ففقأ عينه إذ لم يصرح بالتخيير وعرف موسى أن أجله لم يكن دنا وكان هذا امتحانًا من اللَّه تعالى لملك الموت -عليه السلام- وإقدارًا لموسى على ذلك وللَّه أن يفعل ما يشاء، ويدل على صحة هذا أنه لما جاءه ملك الموت ثانيًا فخيره بين الحياة والموت اختار الموت حينئذ واستسلم، وهذا الوجه حسن بالغ، وبه تندفع شبه الملحدين.

وقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فَسَأل اللَّهَ تعالى أَنْ يُدْنِيَهُ مِنَ الأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ" أي: مقدار رمية بحجر فهو منصوب على أنه ظرف مكان؛ وإنما سأل موسى صلوات اللَّه عليه ذلك تبركًا بالكون في تلك البقعة وليدفن مع من فيها من الأنبياء والأولياء.

وقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فَلَوْ كُنْتُ ثَمَّ لَأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ تَحْتَ أَو عِنْدَ الْكَثِيبِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015