الوداع كل رآه وسمع منه فعرفه (?).
قلت: وكذلك من شهد معه فتح مكة وغزوة حنين فإنهم كانوا يوم حنين اثني عشر ألفًا، ومن وفد عليه من القبائل، ومع هذا كله فأكبر الكتب المصنفة في مسانيد الصحابة وأكثرها حديثًا مسند الإمام أبي عبد اللَّه أحمد بن حنبل رحمه اللَّه، وجميع ما فيه لمن سمي من الصحابة من الرجال والنساء نحو سبعمائة وثلاثين نفسًا، ومن المبهمين الذين لم يسموا من الصنفين نيف وثلاثمائة، فيسقط من هؤلاء من جملة الصحابة مع المعرفة بهم وعدهم في أهل بدر وأحد والحديبية ونحوها.
وقد تقدم أنه لا يلزم من عدم اتصال رواية عن أحد منهم أن لا يكون روى شيئًا بالكلية، واللَّه أعلم.
الثالث: ذكر الآمدي وابن الحاجب وغيرهما من أئمة الأصول أن الخلاف في هذه المسألة يرجع إلى نزاع لفظي في مسمى الصحابي على ما ينطلق.
وهذا فيه نظر من جهة أن مراد المصنفين غالبًا بالنزاع اللفظي: ما لا يترتب عليه حكم شرعي، ولا ريب في أن هذا الخلاف يترتب عليه أحكام شرعية:
منها: العدالة الآتي تقريرها للصحابة -رضي اللَّه عنهم- فإن من لا يعد الرائي من جملة الصحابة يتطلب تعديله بالتنصيص على ذلك كما في سائر الرواة من التابعين فمن بعدهم، ومن ثبتت له خصيصة الصحبة بمجرد اللقاء أو بالصحبة اليسيرة لا يحتاج إلى ذلك بل يكتفي بشرف الصحبة تعديلًا.
ومنها: الحكم على ما رواه عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بكونه مرسل صحابي أم لا، فإن الجمهور على قبول مراسيل الصحابة ولم يخالف فيها إلا الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني.
فإذا ثبت لمن له مجرد الرؤية كونه صحابيًا التحق مرسله بمثل ما روي عن ابن عباس والنعمان بن بشير وأمثالهما عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-في القبول على رأي الجمهور، وإن لم نعطه اسم الصحبة كان حديثه عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كمرسل سائر التابعين يجيء فيه