قال: وقد احتج أهل الظاهر في ذلك بقول رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة" (?)، ويروى "بسبع وعشرين درجة" (?) ولم يخص فرضًا من نافلة.
قال: وهذا عند أكثر أهل العلم في الفريضة والحجة لهم قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- في حديث زيد ابن ثابت -رضي اللَّه عنه-: صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة" (?).
قال: وهذا الحديث وإن كان موقوفًا في "الموطأ" على زيد بن ثابت فإنه قد رفعه جماعة ثقات (?).
فإذا كانت النافلة في البيت أفضل منها في مسجد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- والصلاة فيه بألف صلاة فأي فضل أبين من هذا؟
ولهذا كان مالك والشافعي رحمهما اللَّه ومن سلك سبيلهما يرون الانفراد في البيت أفضل في كل نافلة، فإذا قامت الصلاة في المسجد في رمضان ولو بأقل عدد فالصلاة حينئذ في البيت أفضل. انتهى كلام ابن عبد البر (?).
وقال أيضًا في موضع آخر من هذا الكتاب: وفيه أيضًا -يعني حديث زيد بن ثابت المذكور- دليل على أن الانفراد بكل ما يعمله المؤمن من أعمال البر ويسره ويخفيه أفضل، ولذلك قال بعض الحكماء: إخفاء العلم هلكة، وإخفاء العمل نجاة، قال اللَّه عز وجل: {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} وإذا كانت النافلة في البيوت أفضل منها في مسجد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فما ظنك بها في غير ذلك الموضع إلى ما في صلاة المرء في بيته من اقتداء أهله به من بنين وعيال،