والثاني: من (رام) (*) إثبات ذلك بأدلة العقول التي لم يرد بها الأثر، ورد عَلَى أولئك مقالتهم، كما هي طريقة مقاتل بن سليمان ومن تابعه كنوح بن أبي مريم، وتابعهم طائفة من المحدثين قديمًا وحديثًا، وهو أيضاً مسلك الكَرَّامية، فمنهم من أثبت لإثبات هذه الصفات الجسم، إما لفظًا وإما معنى، ومنهم من أثبت لله صفات لم يأت بها الكتاب والسُّنَّة كالحركة وغير ذلك مما هي عنده لازم الصفات الثابتة.
وقد أنكر السَّلف عَلَى مقاتل قوله في رده عَلَى جهم بأدلة العقل، وبالغوا في الطعن عليه، ومنهم من استحل قتله، منهم مكي بن إبراهيم شيخ البخاري وغيره.
والصواب ما عليه السَّلف الصالح من إمرار آيات الصفات وأحاديثها كما جاءت من غير تفسير لها ولا تكييف ولا تمثيل، ولا يصح عن أحد منهم خلاف ذلك ألبتة، خصوصًا الإمام أحمد، ولا خوضًا في معانيها ولا ضرب مثل، الأمثال لها.
وإن كان بعض من كان قريبًا من زمن أحمد فيهم من فعل شيئًا من ذلك اتباعًا لطريقة مقاتل، فلا يقتدى به في ذلك، وإنَّما الاقتداء بأئمة الإسلام كابن المبارك ومالك والثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد ونحوهم.
وكل هؤلاء لا يوجد في كلامهم شيء من جنس كلام المتكلمين فضلا عن كلام الفلاسفة، ولم يدخل ذلك في كلامه من سلم من قدح وجرح. وقد قال أبو زرعة الرازي: كل من كان عنده علم فلم يصن علمه واحتاج في نشره إِلَى شيء من الكلام فلستم منه.
ومن ذلك -أعني: محدثات العلوم- ما أحدثه فقهاء أهل الرأي من ضوابط وقواعد عقلية ورد فروع الفقه إليها.
وسواء خالفت السنن أم وافقتها طردًا لتلك القواعد المقررة، وإن كان أصلها