وقال بعض التابعين: إذا قطع المؤمنون الصراط يقول بعضهم لبعض: ألم يعدنا ربنا أن نرد النار؟ فيَقُولُونَ: نعم، ولكن وردتموها وهي خامدة.
فعلى كلا القولين: المؤمنون الذين كمل إيمانهم لا يحسون بحر جهنم، ولا يتأذون به عند الورود عليها، فيكون ما أصابهم في الدُّنْيَا من فيح جهنم بالحمّى، هو حظهم من النار، فلا يحصل لهم شعور وإحساس بحر النار، سوى إحساسهم بحر الحمّى في الدُّنْيَا.
فهذا هو معنى ما ورد أن الحمّى حظ المؤمن من النار، وأنها حظهم من ورود النار يوم القيامة، والله أعلم.
وقد كانت الحمى تشتد عَلَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لعظم درجته عند الله، وكرامته عليه، وإرادته رفعة درجته عنده.
فروى ابن مسعود قال: «دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُحَمُّ، فَوَضَعْتُ يَدِي عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: مَا أَشَدَّ حُمَّاكَ؟! وَإِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا. قَالَ: «أَجَلْ إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلَانِ مِنْكُمْ، إِمَّا إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ، وَلا أَمَةٍ مُؤْمِنَةٍ، يَمْرَضُ مَرَضًا إِلَّا حَطَّ اللَّهُ عَنْهُ خَطَايَاهُ كَمَا يُحَطُّ عَنِ الشَّجَرَةِ وَرَقُهَا».