وَيَكْفِي أَنَّ الْمُسْلِمِينَ كُلَّهُمْ يَقْرَءُونَ هَذِهِ السُّورَةَ مِنْ زَمَنِ نَبِيِّهِمْ وَلَمْ يُنْقَلْ هَذَانِ الْقَوْلَانِ إلَّا عَنْ بَعْضِ النُّحَاةِ وَالْأَقْوَالُ الْمَأْثُورَةُ عَنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ هَذَا بَلْ إنَّمَا فِيهَا الْقَوْلُ الَّذِي نَصَرْنَاهُ كَمَا فِي تَفْسِيرِ مَعْمَرٍ عَنْ قتادة {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} قَالَ: إنَّ فِي الْجِنِّ شَيَاطِينَ وَإِنَّ فِي الْإِنْسِ شَيَاطِينَ فَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ؛ فَبَيَّنَ قتادة أَنَّ الْمَعْنَى الِاسْتِعَاذَةُ مِنْ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ. وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي قَوْلِهِ {الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ} قَالَ: الْخَنَّاسُ الَّذِي يُوَسْوِسُ مَرَّةً وَيَخْنَسُ مَرَّةً مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فَبَيَّنَ ابْنُ زَيْدٍ أَنَّ الْوَسْوَاسَ الْخَنَّاسَ مِنْ الصِّنْفَيْنِ وَكَانَ يُقَالُ: شَيَاطِينُ الْإِنْسِ أَشَدّ عَلَى النَّاسِ مِنْ شَيَاطِينِ الْجِنِّ: شَيْطَانُ الْجِنِّ يُوَسْوِسُ وَلَا تَرَاهُ وَهَذَا يُعَايِنُك مُعَايَنَةً. وَعَنْ ابْنِ جريج: {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} قَالَ: إنَّمَا وَسْوَاسَانِ فَوَسْوَاسٌ مِنْ الْجِنَّةِ فَهُوَ {الْخَنَّاسِ} وَوَسْوَاسُ مِنْ نَفْسِ الْإِنْسَانِ فَهُوَ قَوْلُهُ: {وَالنَّاسِ} وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّالِثُ وَإِنْ كَانَ يُشْبِهُ قَوْلَ الزَّجَّاجِ فَهَذَا أَحْسَنُ مِنْهُ فَإِنَّهُ جَعَلَ مِنْ النَّاسِ الْوَسْوَاسَ الَّذِي مِنْ نَفْسِ الْإِنْسَانِ فَمَعْنَاهُ أَحْسَنُ ذَكَرَ الثَّلَاثَةَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ.