الْإِنْسِ وَالْجِنِّ مَا لَا تَنْتَشِرُ بِالنَّهَارِ وَيَجْرِي فِيهِ مِنْ أَنْوَاعِ الشَّرِّ مَا لَا يَجْرِي بِالنَّهَارِ مِنْ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ وَالسِّحْرِ وَالسَّرِقَةِ وَالْخِيَانَةِ وَالْفَوَاحِشِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَالشَّرُّ دَائِمًا مَقْرُونٌ بِالظُّلْمَةِ وَلِهَذَا إنَّمَا جَعَلَهُ اللَّهُ لِسُكُونِ الْآدَمِيِّينَ وَرَاحَتِهِمْ لَكِنَّ شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ تَفْعَلُ فِيهِ مِنْ الشَّرِّ مَا لَا يُمْكِنُهَا فِعْلُهُ بِالنَّهَارِ وَيَتَوَسَّلُونَ بِالْقَمَرِ وَبِدَعْوَتِهِ وَالْقَمَرِ وَعِبَادَتِهِ وَأَبُو مَعْشَرٍ البلخي لَهُ " مُصْحَفُ الْقَمَرِ " يَذْكُرُ فِيهِ مِنْ الكفريات وَالسِّحْرِيَّاتِ مَا يُنَاسِبُ الِاسْتِعَاذَةَ مِنْهُ. فَذَكَرَ سُبْحَانَهُ الِاسْتِعَاذَةَ مِنْ شَرِّ الْخَلْقِ عُمُومًا ثُمَّ خَصَّ الْأَمْرَ بِالِاسْتِعَاذَةِ مِنْ شَرِّ الْغَاسِقِ إذَا وَقَبَ وَهُوَ الزَّمَانُ الَّذِي يَعُمُّ شَرُّهُ ثُمَّ خَصَّ بِالذِّكْرِ السِّحْرَ وَالْحَسَدَ. فَالسِّحْرُ يَكُونُ مِنْ الْأَنْفُسِ الْخَبِيثَةِ لَكِنْ بِالِاسْتِعَانَةِ بِالْأَشْيَاءِ كَالنَّفْثِ فِي الْعُقَدِ. وَالْحَسَدُ يَكُونُ مِنْ الْأَنْفُسِ الْخَبِيثَةِ أَيْضًا إمَّا بِالْعَيْنِ وَإِمَّا بِالظُّلْمِ بِاللِّسَانِ وَالْيَدِ وَخَصَّ مِنْ السِّحْرِ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ وَهُنَّ النِّسَاءُ. وَالْحَاسِدُ الرِّجَالُ فِي الْعَادَةِ وَيَكُونُ مِنْ الرِّجَالِ وَمِنْ النِّسَاءِ. وَالشَّرُّ الَّذِي يَكُونُ مِنْ الْأَنْفُسِ الْخَبِيثَةِ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ: هُوَ شَرٌّ مُنْفَصِلٌ عَنْ الْإِنْسَانِ لَيْسَ هُوَ فِي قَلْبِهِ كَالْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ. وَفِي سُورَةِ النَّاسِ ذَكَرَ {الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ} فَإِنَّهُ مَبْدَأُ الْأَفْعَالِ