مجموع الفتاوي (صفحة 8879)

فصل: ما نزه الله نفسه عنه بقوله: " لم يلد ولم يولد " وغيره يعم جميع الأنواع التي تذكر في هذا الباب عن بعض الأمم

فَتَبَيَّنَ أَنَّ مَا يُقَالُ إنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَعْيَانِ الْقَائِمَةِ بِنَفْسِهَا فَلَا يَكُونُ إلَّا مِنْ مَادَّةٍ تَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ الْوَالِدِ وَلَا يَكُونُ إلَّا مِنْ أَصْلَيْنِ وَالرَّبُّ تَعَالَى صَمَدٌ فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ شَيْءٌ وَهُوَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ صَاحِبَةً فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ. وَأَمَّا مَا يُسْتَعْمَلُ مِنْ تَوَلُّدِ الْأَعْرَاضِ. كَمَا يُقَالُ: تَوَلَّدَ الشُّعَاعُ وَتَوَلَّدَ الْعِلْمُ عَنْ الْفِكْرِ وَتَوَلَّدَ الشِّبَعُ عَنْ الْأَكْلِ وَتَوَلَّدَتْ الْحَرَارَةُ عَنْ الْحَرَكَةِ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَهَذَا لَيْسَ مِنْ تَوَلُّدِ الْأَعْيَانِ؛ مَعَ أَنَّ هَذَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَحَلٍّ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَصْلَيْنِ. وَلِهَذَا كَانَ قَوْلُ النَّصَارَى إنَّ الْمَسِيحَ ابْنُ اللَّهِ - تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ - مُسْتَلْزِمًا لَأَنْ يَقُولُوا: إنَّ مَرْيَمَ صَاحِبَةُ اللَّهِ فَيَجْعَلُونَ لَهُ زَوْجَةً وَصَاحِبَةً كَمَا جَعَلُوا لَهُ وَلَدًا وَبِأَيِّ مَعْنًى فَسَّرُوا كَوْنَهُ ابْنَهُ فَإِنَّهُ يُفَسِّرُ الزَّوْجَةَ بِذَلِكَ الْمَعْنَى وَالْأَدِلَّةُ الْمُوجِبَةُ تَنْزِيهُهُ عَنْ الصَّاحِبَةِ تُوجِبُ تَنْزِيهَهُ عَنْ الْوَلَدِ فَإِذَا كَانُوا يَصِفُونَهُ بِمَا هُوَ أَبْعَدُ عَنْ اتِّصَافِهِ بِهِ كَانَ اتِّصَافُهُ بِمَا هُوَ أَقَلُّ بُعْدًا لَازِمًا لَهُمْ وَقَدْ بُسِطَ هَذَا فِي الرَّدِّ عَلَى النَّصَارَى.

فَصْلٌ:

وَهَذَا مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ مَا نَزَّهَ اللَّهُ نَفْسَهُ وَنَفَاهُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} وَبِقَوْلِهِ: {أَلَا إنَّهُمْ مِنْ إفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ} {وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015