وَالنَّصَارَى أُضْعِفَتْ فِيهِمْ الْقُوَّةُ الْغَضَبِيَّةُ فَنُهُوا عَنْ الِانْتِقَامِ وَالِانْتِصَارِ وَلَمْ تَضْعُفْ فِيهِمْ الْقُوَّةُ الشهوية فَلَمْ يُحَرَّمْ عَلَيْهِمْ مِنْ الْمَطَاعِمِ مَا حُرِّمَ عَلَى مَنْ قَبْلَهُمْ بَلْ أُحِلَّ لَهُمْ بَعْضُ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْهِمْ وَظَهَرَ فِيهِمْ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالشَّهَوَاتِ مَا لَمْ يَظْهَرْ فِي الْيَهُودِ وَفِيهِمْ مِنْ الرِّقَّةِ وَالرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ مَا لَيْسَ فِي الْيَهُودِ فَغَالِبُ مَعَاصِيهِمْ مِنْ بَابِ الشَّهَوَاتِ لَا مِنْ بَابِ الْغَضَبِ وَغَالِبُ طَاعَاتِهِمْ مِنْ بَابِ النَّصْرِ لَا مِنْ بَابِ الرِّزْقِ. وَلَمَّا كَانَ فِي الصُّوفِيَّةِ وَالْفُقَهَاءِ عيسوية مَشْرُوعَةً أَوْ مُنْحَرِفَةً كَانَ فِيهِمْ مِنْ الشَّهَوَاتِ وَوَقَعَ فِيهِمْ مِنْ الْمَيْلِ إلَى النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالْأَصْوَاتِ الْمُطْرِبَةِ مَا يُذَمُّونَ بِهِ وَلَمَّا كَانَ فِي الْفُقَهَاءِ موسوية مَشْرُوعَةٌ أَوْ مُنْحَرِفَةٌ كَانَ فِيهِمْ مِنْ الْغَضَبِ وَوَقَعَ فِيهِمْ مِنْ الْقَسْوَةِ وَالْكِبْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مَا يُذَمُّونَ بِهِ.
فَصْلٌ:
جِنْسُ الْقُوَّةِ الشهوية الْحُبُّ، وَجِنْسُ الْقُوَّةِ الْغَضَبِيَّةِ الْبُغْضُ وَالْغَضَبُ وَالْبُغْضُ مُتَّفِقَانِ فِي الِاشْتِقَاقِ الْأَكْبَرِ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أَوْثَقُ عُرَى الْإِيمَانِ الْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ} فَإِنَّ هَاتَيْنِ الْقُوَّتَيْنِ هَمَّا الْأَصْلُ وَقَالَ: {مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ وَأَبْغَضَ لِلَّهِ