وَخُلِقَ لِلْبَهَائِمِ شَهْوَةٌ بِلَا عَقْلٍ وَخُلِقَ لِلْإِنْسَانِ عَقْلٌ وَشَهْوَةٌ فَمَنْ غَلَبَ عَقْلُهُ شَهْوَتَهُ فَهُوَ خَيْرٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَمَنْ غَلَبَتْ شَهْوَتُهُ عَقْلَهُ فَالْبَهَائِمُ خَيْرٌ مِنْهُ. ثُمَّ الْقُوَّةُ الْغَضَبِيَّةُ الَّتِي فِيهَا دَفْعُ الْمَضَرَّةِ ثُمَّ الْقُوَّةُ الشهوية الَّتِي فِيهَا جَلْبُ الْمَنْفَعَةِ. وَمِنْ الطبائعيين مَنْ يَقُولُ: الْقُوَّةُ الْغَضَبِيَّةُ هِيَ الْحَيَوَانِيَّةُ؛ لِاخْتِصَاصِ الْحَيَوَانِ بِهَا دُونَ النَّبَاتِ. وَالْقُوَّةُ الشهوية هِيَ النَّبَاتِيَّةُ لِاشْتِرَاكِ الْحَيَوَانِ وَالنَّبَاتِ فِيهَا. وَاخْتِصَاصُ النَّبَاتِ بِهَا دُونَ الْجَمَادِ. لَكِنْ يُقَالُ: إنْ أَرَادَ أَنَّ نَفْسَ الشَّهْوَةِ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ النَّبَاتِ وَالْحَيَوَانِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ النَّبَاتَ لَيْسَ فِيهِ حَنِينٌ وَلَا حَرَكَةٌ إرَادِيَّةٌ وَلَا شَهْوَةٌ وَلَا غَضَبٌ. وَإِنْ أَرَادَ نَفْسَ النُّمُوِّ وَالِاغْتِذَاءِ فَهَذَا تَابِعٌ لِلشَّهْوَةِ وَمُوجِبُهَا. وَلَهُ نَظِيرٌ فِي الْغَضَبِ. وَهُوَ أَنَّ مُوجَبَ الْغَضَبِ وَتَابِعَهُ هُوَ الدَّفْعُ وَالْمَنْعُ وَهَذَا مَعْنَى مَوْجُودٌ فِي سَائِرِ الْأَجْسَامِ الصُّلْبَةِ الْقَوِيَّةِ فَذَاتُ الشَّهْوَةِ وَالْغَضَبِ مُخْتَصٌّ بِالْحَيِّ. وَأَمَّا مُوجِبُهُمَا مِنْ الِاعْتِدَاءِ وَالدَّفْعِ فَمُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ النَّبَاتِ الْقَوِيِّ فَقُوَّةُ الدَّفْعِ وَالْمَنْعِ مَوْجُودٌ فِي النَّبَاتِ الصُّلْبِ الْقَوِيِّ دُونَ اللَّيِّنِ الرَّطْبِ فَتَكُونُ قُوَّةُ الدَّفْعِ مُخْتَصَّةٌ بِبَعْضِ النَّبَاتِ؛ لَكِنَّهُ مَوْجُودٌ فِي سَائِرِ الْأَجْسَامِ الصُّلْبَةِ فَبَيْنَ الشَّهْوَةِ وَالْغَضَبِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ.