مجموع الفتاوي (صفحة 6810)

الحكمة في أن الله ثنى قصة فرعون في القرآن في غير موضع

عمدة النفاة في تنزية الرب عن النقائص

جَعَلَهُ مِثْلَ الْمَعْدُومِ وَالْمُمْتَنِعِ فَهُوَ شَرٌّ مِنْ هَؤُلَاءِ فَإِنَّهُ مُعَطِّلٌ مُمَثِّلٌ وَالْمُعَطِّلُ شَرٌّ مِنْ الْمُشْرِكِ. وَاَللَّهُ ثَنَّى قِصَّةَ فِرْعَوْنَ فِي الْقُرْآنِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ؛ لِاحْتِيَاجِ النَّاسِ إلَى الِاعْتِبَارِ بِهَا فَإِنَّهُ حَصَلَ لَهُ مِنْ الْمُلْكِ وَدَعْوَى الرُّبُوبِيَّةِ وَالْإِلَهِيَّةِ وَالْعُلُوِّ مَا لَمْ يَحْصُلْ مِثْلُهُ لِأَحَدِ مِنْ الْمُعَطِّلِينَ وَكَانَتْ عَاقِبَتُهُ إلَى مَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى

وَلَيْسَ لِلَّهِ صِفَةٌ يُمَاثِلُهُ فِيهَا غَيْرُهُ؛ فَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِي حَقِّهِ قِيَاسُ التَّمْثِيلِ وَلَا قِيَاسُ الشُّمُولِ الَّذِي تَسْتَوِي أَفْرَادُهُ فَإِنَّ ذَلِكَ شِرْكٌ؛ إذْ سُوِّيَ فِيهِ بِالْمَخْلُوقِ؛ بَلْ قِيَاسُ الْأَوْلَى. فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ فَهُوَ أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَأَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِ بِالتَّنْزِيهِ عَنْ صِفَاتِ النَّقْصِ. وَقَدْ بُسِطَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَبُيِّنَ أَنَّ مَنْ جَعَلَهُ الْوُجُودَ الْمُطْلَقَ وَالْمُقَيَّدَ بِالسَّلْبِ أَوْ ذَاتًا مُجَرَّدَةً فَهَؤُلَاءِ مَثَّلُوهُ بِأَنْقَصِ الْمَعْقُولَاتِ الذِّهْنِيَّةِ وَجَعَلُوهُ دُونَ الْمَوْجُودَاتِ الْخَارِجِيَّةِ. والْنُّفَاةِ الَّذِينَ قَصَدُوا إثْبَاتَ حُدُوثِ الْعَالَمِ بِإِثْبَاتِ حُدُوثِ الْجِسْمِ لَمْ يُثْبِتُوا بِذَلِكَ حُدُوثَ شَيْءٍ كَمَا قَدْ بُيِّنَ فِي مَوْضِعِهِ.

ثُمَّ إنَّهُمْ جَعَلُوا عُمْدَتَهُمْ فِي تَنْزِيهِ الرَّبِّ عَنْ النَّقَائِصِ عَلَى نَفْيِ الْجِسْمِ وَمَنْ سَلَكَ هَذَا الْمَسْلَكَ لَمْ يُنَزِّهْ اللَّهَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ النَّقَائِصِ أَلْبَتَّةَ فَإِنَّهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015