وَأَمَّا الْمُنَافِقُ فَإِذَا وَقَعَتْ لَهُ الْأَهْوَاءُ وَالْآرَاءُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالنِّفَاقِ لَمْ يكرهها وَلَمْ يَنْفِهَا فَإِنَّهُ قَدْ وُجِدَتْ مِنْهُ سَيِّئَةُ الْكُفْرِ مِنْ غَيْرِ حَسَنَةٍ إيمَانِيَّةٍ تَدْفَعُهَا أَوْ تَنْفِيهَا وَالْقُلُوبُ يَعْرِضُ لَهَا الْإِيمَانُ وَالنِّفَاقُ فَتَارَةً يَغْلِبُ هَذَا وَتَارَةً يَغْلِبُ هَذَا. وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا وَسْوَسَتْ أَوْ حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا} كَمَا فِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ فِي الصَّحِيحِ هُوَ مُقَيَّدٌ بِالتَّجَاوُزِ لِلْمُؤْمِنِينَ دُونَ مَنْ كَانَ مُسْلِمًا فِي الظَّاهِرِ وَهُوَ مُنَافِقٌ فِي الْبَاطِنِ وَهُمْ كَثِيرُونَ فِي الْمُتَظَاهِرِينَ بِالْإِسْلَامِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا. وَهُمْ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ الْمُتَأَخِّرَةِ فِي بَعْضِ الْأَمَاكِنِ أَكْثَرُ مِنْهُمْ فِي حَالِ ظُهُورِ الْإِيمَانِ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ فَمَنْ أَظْهَرَ الْإِيمَانَ وَكَانَ صَادِقًا مُجْتَنِبًا مَا يُضَادُّهُ أَوْ يُضْعِفُهُ يَتَجَاوَزُ لَهُ عَمَّا يُمْكِنُهُ التَّكَلُّمُ بِهِ وَالْعَمَلُ بِهِ: دُونَ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ. كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ لَفْظُ الْحَدِيثِ. فَالْقِسْمَانِ اللَّذَانِ بَيَّنَّا أَنَّ الْعَبْدَ يُثَابُ فِيهِمَا وَيُعَاقَبُ عَلَى أَعْمَالِ الْقُلُوبِ خَارِجَةٌ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: " مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ " و " مَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ " إنَّمَا هُوَ فِي الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَهُمُّ بِسَيِّئَةٍ أَوْ حَسَنَةٍ يُمْكِنُهُ فِعْلُهَا فَرُبَّمَا فَعَلَهَا وَرُبَّمَا تَرَكَهَا؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّ الْحَسَنَةَ تُضَاعَفُ بسبعمائة ضِعْفٍ إلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ.