ضَعَّفُوهُ بِضَعْفِ مَادَّتِهِ؛ فَإِنَّ هَذَا الدَّلِيلَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْجَهْمِيَّة وَالْقَدَرِيَّةُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنْ الْأَشْعَرِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ عَلَى حُدُوثِ الْأَجْسَامِ أَدِلَّةٌ ضَعِيفَةٌ لِأَجْلِ مَادَّتِهَا لَا لِكَوْنِ صُورَتِهَا ظَنِّيَّةً. وَلِهَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُصَوِّرُوهَا بِصُورَةِ التَّمْثِيلِ أَوْ الشُّمُولِ.
فَصْلٌ:
وَأَمَّا (الْمَقَامُ الرَّابِعُ) : وَهُوَ قَوْلُهُمْ: إنَّ الْقِيَاسَ أَوْ الْبُرْهَانَ يُفِيدُ الْعِلْمَ بِالتَّصْدِيقَاتِ فَهُوَ أَدَقُّ الْمَقَامَاتِ. [وَذَلِكَ أَنَّ خَطَأَ الْمَنْطِقِيِّينَ فِي الْمَقَامَاتِ الثَّلَاثَةِ: وَهِيَ مَنْعُ إمْكَانِ التَّصَوُّرِ إلَّا بِالْحَدِّ وَحُصُولُ التَّصَوُّرِ بِالْحَدِّ وَمَنْعُ حُصُولِ التَّصْدِيقِ بِالْحَدِّ وَمَنْعُ حُصُولِ التَّصْدِيقِ بِالْقِيَاسِ وَاضِحٌ بِأَدْنَى تَدَبُّرٍ ومدركه قَرِيبٌ وَالْعِلْمُ بِهِ ظَاهِرٌ] (*) . وَإِنَّمَا يُلَبِّسُونَ عَلَى النَّاسِ بِالتَّهْوِيلِ وَالتَّطْوِيلِ وَأَظْهَرُهَا خَطَأً دَعْوَاهُمْ أَنَّ التَّصَوُّرَاتِ الْمَطْلُوبَةَ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِمَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْحَدِّ وَيَلِيهِ قَوْلُهُمْ إنَّ شَيْئًا مِنْ التَّصْدِيقَاتِ الْمَطْلُوبَةِ لَا تُنَالُ إلَّا بِمَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْقِيَاسِ فَإِنَّ هَذَا النَّفْيَ الْعَامَّ أَمْرٌ لَا سَبِيلَ إلَى الْعِلْمِ بِهِ وَلَا يَقُومُ عَلَيْهِ دَلِيلٌ أَصْلًا مَعَ أَنَّهُ مَعْلُومُ الْبُطْلَانِ بِمَا يَحْصُلُ مِنْ التَّصْدِيقَاتِ الْمَطْلُوبَةِ بِدُونِ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْقِيَاسِ كَمَا تَحْصُلُ تَصَوُّرَاتٌ مَطْلُوبَةٌ بِدُونِ مَا يَذْكُرُونَهُ مِنْ الْحَدِّ بِخِلَافِ هَذَا الْمَقَامِ