مجموع الفتاوي (صفحة 4284)

متقدمو المناطقة لم يذكروا المقدمات المتلقاة من الأنبياء، ولكن متأخروهم ذكروا ذلك، وجعلوا علوم الأنبياء من الأمور الحدسية

وَهَذَا يَذْكُرُونَهُ فِي نَفْيِ عُلُوِّ اللَّهِ عَلَى الْعَرْشِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ أَبَاطِيلِهِمْ.

وَالْمَقْصُودُ هُنَا: أَنَّ مُتَقَدِّمِيهِمْ لَمْ يَذْكُرُوا الْمُقَدِّمَاتِ الْمُتَلَقَّاةِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَلَكِنْ الْمُتَأَخِّرُونَ رَتَّبُوهُ عَلَى ذَلِكَ: إمَّا بِطْرِيقِ الصَّابِئَةِ الَّذِينَ لَبَّسُوا الْحَنِيفِيَّةَ بِالصَّابِئَةِ: كَابْنِ سِينَا وَنَحْوِهِ وَإِمَّا بِطَرِيقِ الْمُتَكَلِّمِينَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا الظَّنَّ بِمَا ذَكَرَهُ الْمَنْطِقِيُّونَ وَقَرَّرُوا إثْبَاتَ الْعِلْمِ بِمُوجَبِ النُّبُوآتِ بِهِ. أَمَّا الْأَوَّلُ: فَإِنَّهُ جَعَلَ عُلُومَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ الْعُلُومِ الْحَدْسِيَّةِ لِقُوَّةِ صَفَاءِ تِلْكَ النُّفُوسِ الْقُدْسِيَّةِ وَطَهَارَتِهَا وَأَنَّ قُوَى النُّفُوسِ فِي الْحَدْسِ لَا تَقِفُ عِنْدَ حَدٍّ. وَلَا بُدَّ لِلْعَالَمِ مِنْ نِظَامٍ يَنْصِبُهُ حَكِيمٌ فَيُعْطِي النُّفُوسَ الْمُؤَيِّدَةَ مِنْ الْقُوَّةِ مَا تَعْلَمُ بِهِ مَا لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهَا بِطَرِيقِ الْحَدْسِ وَيَتَمَثَّلُ لَهَا مَا تَسْمَعُهُ وَتَرَاهُ فِي نَفْسِهَا مِنْ الْكَلَامِ وَمِنْ الْمَلَائِكَةِ مَا لَا يَسْمَعُهُ غَيْرُهَا وَيَكُونُ لَهَا مِنْ الْقُوَّةِ الْعَمَلِيَّةِ الَّتِي تُطِيعُهَا بِهَا هَيُولَى الْعَالَمِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهَا فَهَذِهِ الْخَوَارِقُ فِي قُوَى الْعِلْمِ مَعَ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَقُوَّةِ الْعَمَلِ وَالْقُدْرَةِ: هِيَ النُّبُوَّةُ عِنْدَهُمْ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحَدْسَ رَاجِعٌ إلَى قِيَاسِ التَّمْثِيلِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَأَمَّا مَا يَسْمَعُ وَيَرَى فِي نَفْسِهِ فَهُوَ مَنْ جِنْسِ الرُّؤْيَا وَهَذَا الْقَدْرُ يَحْصُلُ مِثْلُهُ لِكَثِيرِ مِنْ عَوَامِّ النَّاسِ وَكُفَّارِهِمْ فَضْلًا عَنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَأَنْبِيَائِهِ. فَكَيْفَ يُجْعَلُ ذَلِكَ هُوَ غَايَةَ النُّبُوَّةِ؟ وَإِنْ كَانَ الَّذِي يُثْبِتُونَهُ لِلْأَنْبِيَاءِ أَكْمَلَ وَأَشْرَفَ فَهُوَ كَمَلِكِ أَقْوَى مِنْ مَلِكٍ. وَلِهَذَا صَارُوا يَقُولُونَ: النُّبُوَّةُ مُكْتَسَبَةٌ وَلَمْ يُثْبِتُوا نُزُولَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015