مجموع الفتاوي (صفحة 4202)

فصل: في قول السائل: لأنهم قد صرحوا أنه على الإرادات لمقسور، ولم يكن فاعل أفعاله حقيقة والحكم مشهور

مُخْتَارًا بِغَيْرِ إرَادَةٍ مِنْهُ سَابِقَةٍ لِأَنْ يَكُونَ مُخْتَارًا كَمَا جَعَلَهُ قَادِرًا وَجَعَلَهُ عَالِمًا وَجَعَلَهُ حَيًّا وَجَعَلَهُ أَسْوَدَ وَأَبْيَضَ وَطَوِيلًا وَقَصِيرًا. وَمَعْلُومٌ أَنَّ اللَّهَ إذَا جَعَلَهُ مَوْصُوفًا بِصِفَةِ لَمْ يُنَاقِضْ ذَلِكَ اتِّصَافَهُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ فَإِنَّ اللَّهَ إذَا جَعَلَهُ عَلَى صِفَةٍ كَانَ كَوْنُهُ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّ مَا جَعَلَ اللَّهُ لَهُ؛ فَإِنَّهُ مَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ وَإِذَا كَانَ كَوْنُهُ مُخْتَارًا وَعَالِمًا وَقَادِرًا أَمْرًا مُلَازِمًا لِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَجَعْلِهِ والمتلازمان لَا يُنَاقِضُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بَلْ يُجَامِعُهُ وَلَا يُفَارِقُهُ فَيَكُونُ اخْتِيَارُ الْعَبْدِ مَعَ إطْلَاقِ الْجَبْرِ الَّذِي يَعْنِي بِهِ أَنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ مُخْتَارًا أَمْرَيْنِ مُتَلَازِمَيْنِ لَا أَمْرَيْنِ مُتَنَاقِضَيْنِ وَلَا عَجَبَ مِنْ اجْتِمَاعِ الْمُتَلَازِمَيْنِ إنَّمَا الْعَجَبُ مِنْ تَنَاقُضِهِمَا.

فَصْلٌ وَأَمَّا قَوْلُ السَّائِلِ:

لِأَنَّهُمْ قَدْ صَرَّحُوا أَنَّهُ ... عَلَى الْإِرَادَاتِ لَمَقْسُورُ

وَلَمْ يَكُنْ فَاعِلٌ أَفْعَالَهُ ... حَقِيقَةً وَالْحُكْمُ مَشْهُورٌ

فَيُقَالُ لَهُ: الْمُصَرِّحُ بِأَنَّهُ غَيْرُ فَاعِلٍ حَقِيقَةً هُمْ الْجَهْمِيَّة: أَتْبَاعُ الْجَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِهَذَا أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015