مجموع الفتاوي (صفحة 4008)

بيان أنواع القدرية القائلين بأن تقدم العلم يمنع الأمر والنهي، وذكر تناقضهم

وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مَذْهَبُ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا وَجُمْهُورِ " الطَّوَائِفِ " مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَالتَّصَوُّفِ وَالْكَلَامِ وَغَيْرِهِمْ وَإِنَّمَا نَازَعَ فِي ذَلِكَ غُلَاةُ الْقَدَرِيَّةِ وَظَنُّوا أَنَّ تَقَدُّمَ الْعِلْمِ يَمْنَعُ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ وَصَارُوا فَرِيقَيْنِ: (فَرِيقٌ أَقَرُّوا بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَأَنْكَرُوا أَنْ يَتَقَدَّمَ بِذَلِكَ قَضَاءٌ وَقَدَرٌ وَكِتَابٌ وَهَؤُلَاءِ نَبَغُوا فِي أَوَاخِرِ عَصْرِ الصَّحَابَةِ فَلَمَّا سَمِعَ الصَّحَابَةُ بِدَعَهُمْ تَبَرَّءُوا مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنْهُمْ وَرَدَّ عَلَيْهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَوَاثِلَةُ بْنُ الْأَسْقَعِ وَغَيْرُهُمْ وَقَدْ نَصَّ " الْأَئِمَّةُ " كَمَالِكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد عَلَى كُفْرِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُنْكِرُونَ عِلْمَ اللَّهِ الْقَدِيمِ. وَ (الْفَرِيقُ الثَّانِي: مَنْ يُقِرُّ بِتَقَدُّمِ عِلْمِ اللَّهِ وَكِتَابِهِ لَكِنْ يَزْعُمُ أَنَّ ذَلِكَ يُغْنِي عَنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْعَمَلِ وَأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْعَمَلِ بَلْ مَنْ قُضِيَ لَهُ بِالسَّعَادَةِ دَخَلَ الْجَنَّةَ بِلَا عَمَلٍ أَصْلًا وَمَنْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالشَّقَاوَةِ شَقِيَ بِلَا عَمَلٍ فَهَؤُلَاءِ لَيْسُوا طَائِفَةً مَعْدُودَةً مِنْ طَوَائِفِ أَهْلِ الْمَقَالَاتِ وَإِنَّمَا يَقُولُهُ كَثِيرٌ مِنْ جُهَّالِ النَّاسِ. وَهَؤُلَاءِ أَكْفَرُ مِنْ أُولَئِكَ وَأَضَلُّ سَبِيلًا وَمَضْمُونُ قَوْلِ هَؤُلَاءِ تَعْطِيلُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَهَؤُلَاءِ أَكْفَرُ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِكَثِيرِ وَهَؤُلَاءِ هُمْ الَّذِينَ سَأَلَ السَّائِلُ عَنْ مَقَالَتِهِمْ. وَأَمَّا " جُمْهُورُ الْقَدَرِيَّةِ " فَهُمْ يُقِرُّونَ بِالْعِلْمِ وَالْكِتَابِ الْمُتَقَدِّمِ لَكِنْ يُنْكِرُونَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015