قَالَ البغوي: الْحَرْدُ فِي اللُّغَةِ يَكُونُ بِمَعْنَى الْقَصْدِ وَالْمَنْعِ وَالْغَضَبِ. قَالَ الْحَسَنُ وقتادة وَأَبُو الْعَالِيَةِ: عَلَى جِدٍّ وَجُهْدٍ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ (*) وَمُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ: عَلَى أَمْرٍ مُجْتَمِعٍ قَدْ أَسَّسُوهُ بَيْنَهُمْ. قَالَ: وَهَذَا عَلَى مَعْنَى الْقَصْدِ؛ لِأَنَّ الْقَاصِدَ إلَى الشَّيْءِ جَادٌّ مُجْمِعٌ عَلَى الْأَمْرِ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ والقتيبي: غَدَوْا مِنْ أَنْفُسِهِمْ عَلَى حَرْدٍ: عَلَى مَنْعِ الْمَسَاكِينِ؛ يَقُولُ: حَارَدَتْ السَّنَةُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا مَطَرٌ وَحَارَدَتْ النَّاقَةُ عَلَيَّ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا لَبَنٌ؛ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَسُفْيَانُ: عَلَى حَنَقٍ وَغَضَبٍ مِنْ الْمَسَاكِينِ وَفِي تَفْسِيرِ الوالبي: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى قُدْرَةٍ. قُلْت: الْحَرْدُ فِيهِ مَعْنَى الْعَزْمِ الشَّدِيدِ؛ فَإِنَّ هَذَا اللَّفْظَ يَقْتَضِي هَذَا وَحَرْدُ السَّنَةِ وَالنَّاقَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الشِّدَّةِ وَكَذَلِكَ الْحَنَقُ وَالْغَضَبُ فِيهِ شِدَّةٌ؛ فَكَانَ لَهُمْ عَزْمٌ شَدِيدٌ عَلَى أَخْذِهَا وَعَلَى حِرْمَانِ الْمَسَاكِينِ وَغَدَوْا بِهَذَا الْعَزْمِ قَادِرِينَ لَيْسَ هُنَاكَ مَا يُعْجِزُهُمْ وَمَا يَمْنَعُهُمْ لَكِنْ جَاءَهَا أَمْرٌ مِنْ السَّمَاءِ فَأَبْطَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ وَقِيلَ الْحَرْدُ هُوَ الْغَيْظُ وَالْغَضَبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَنَظِيرُ هَذَا وَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْمَطْلُوبِ أَنَّ الْقُدْرَةَ تَكُونُ عَلَى الْأَعْيَانِ قَوْله تَعَالَى {إنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ} - إلَى قَوْلِهِ - {أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ} الْآيَةَ. وَقَوْلُهُ: {وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا} يُبَيِّنُ أَنَّهُ لَوْلَا الْجَائِحَةُ لَكَانَ ظَنُّهُمْ صَادِقًا وَكَانُوا قَادِرِينَ عَلَيْهَا؛ لَكِنْ لَمَّا أَتَاهَا أَمْرُ اللَّهِ تَبَيَّنَ خَطَأُ الظَّنِّ وَلَوْ لَمْ يَكُونُوا قَادِرِينَ عَلَيْهَا لَا فِي حَالِ سَلَامَتِهَا وَلَا فِي حَالِ عَطَبِهَا لَمْ يَكُنْ اللَّهُ أَبْطَلَ ظَنَّهُمْ بِمَا أَحْدَثَهُ