فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَ الْمُؤْمِنُ حَقًّا هُوَ الْفَاعِلَ لِلْوَاجِبَاتِ التَّارِكَ لِلْمُحَرَّمَاتِ: فَقَدْ قَالَ: {أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} وَلَمْ يَذْكُرْ إلَّا خَمْسَةَ أَشْيَاءَ. وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {إنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} . قِيلَ عَنْ هَذَا جَوَابَانِ: (أَحَدُهُمَا) : أَنْ يَكُونَ مَا ذَكَرَ مُسْتَلْزِمًا لِمَا تَرَكَ؛ فَإِنَّهُ ذَكَرَ وَجَلَ قُلُوبِهِمْ إذَا ذُكِرَ اللَّهُ، وَزِيَادَةَ إيمَانِهِمْ إذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ مَعَ التَّوَكُّلِ عَلَيْهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْمُورِ بِهِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا، وَكَذَلِكَ الْإِنْفَاقُ مِنْ الْمَالِ وَالْمَنَافِعِ؛ فَكَانَ هَذَا مُسْتَلْزِمًا لِلْبَاقِي؛ فَإِنَّ وَجَلَ الْقَلْبِ عِنْدَ ذِكْرِ اللَّهِ يَقْتَضِي خَشْيَتَهُ وَالْخَوْفَ مِنْهُ. وَقَدْ فَسَّرُوا (وَجِلَتْ) بفرقت. وَفِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: (إذَا ذُكِرَ اللَّهُ فَرِقَتْ قُلُوبُهُمْ) . وَهَذَا صَحِيحٌ؛ فَإِنَّ " الْوَجَلَ فِي اللُّغَةِ " هُوَ الْخَوْفُ يُقَالُ: حُمْرَةُ الْخَجَلِ وَصُفْرَةُ الْوَجَلِ. وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} {قَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ الرَّجُلُ يَزْنِي وَيَسْرِقُ وَيَخَافُ أَنْ يُعَاقَبَ؟ قَالَ: لَا يَا ابْنَةَ الصِّدِّيقِ هُوَ الرَّجُلُ يُصَلِّي وَيَصُومُ وَيَتَصَدَّقُ وَيَخَافُ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُ} . وَقَالَ السدي فِي قَوْله تَعَالَى {الَّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} هُوَ