فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّهُ - عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ - لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّوَجُّهُ إلَى اللَّهِ إلَّا إلَى الْعُلُوِّ مَعَ كَوْنِهِ عَلَى عَرْشِهِ مُبَايِنًا لِخَلْقِهِ وَسَوَاءٌ قُدِّرَ مَعَ ذَلِكَ أَنَّهُ مُحِيطٌ بِالْمَخْلُوقَاتِ - كَمَا يُحِيطُ بِهَا إذَا كَانَتْ فِي قَبْضَتِهِ - أَوْ قُدِّرَ مَعَ ذَلِكَ أَنَّهُ فَوْقَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْبِضَهَا وَيُحِيطَ بِهَا فَهُوَ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ يَكُونُ فَوْقَهَا مُبَايِنًا لَهَا؛ فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فِي الْخَالِقِ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فِي الْعَرْشِ لَا يَلْزَمُ شَيْءٌ مِنْ الْمَحْذُورِ وَالتَّنَاقُضِ وَهَذَا يُزِيلُ كُلَّ شُبْهَةٍ وَإِنَّمَا تَنْشَأُ الشُّبْهَةُ فِي اعْتِقَادَيْنِ فَاسِدَيْنِ. (أَحَدُهُمَا أَنْ يُظَنَّ أَنَّ الْعَرْشَ إذَا كَانَ كُرِّيًّا وَاَللَّهُ فَوْقَهُ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ كُرِّيًّا ثُمَّ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ إذَا كَانَ كُرِّيًّا فَيَصِحُّ التَّوَجُّهُ إلَى مَا هُوَ كُرِّيٌّ - كَالْفَلَكِ التَّاسِعِ - مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ وَكُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ الِاعْتِقَادَيْنِ خَطَأٌ وَضَلَالٌ فَإِنَّ اللَّهَ مَعَ كَوْنِهِ فَوْقَ الْعَرْشِ وَمَعَ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْعَرْشَ كُرِّيٌّ - سَوَاءٌ كَانَ هُوَ التَّاسِعَ أَوْ غَيْرَهُ - لَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ أَنَّهُ مُشَابِهٌ لِلْأَفْلَاكِ فِي أَشْكَالِهَا؛ كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ أَنَّهُ مُشَابِهٌ لَهَا فِي أَقْدَارِهَا وَلَا فِي صِفَاتِهَا - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا - بَلْ قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَعْظَمُ وَأَكْبَرُ مِنْ أَنْ تَكُونَ الْمَخْلُوقَاتُ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ دَاخِلِ الْفَلَكِ فِي الْفَلَكِ. وَإِنَّهَا عِنْدَهُ أَصْغَرُ مِنْ الْحِمَّصَةِ وَالْفَلْفَلَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فِي يَدِ أَحَدِنَا. فَإِذَا كَانَتْ الْحِمَّصَةُ أَوْ الْفَلْفَلَةُ. بَلْ الدِّرْهَمُ وَالدِّينَارُ. أَوْ الْكُرَةُ الَّتِي يَلْعَبُ بِهَا الصِّبْيَانُ وَنَحْوُ ذَلِكَ فِي يَدِ الْإِنْسَانِ أَوْ تَحْتَهُ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ هَلْ يَتَصَوَّرُ عَاقِلٌ إذَا اسْتَشْعَرَ عُلُوَّ الْإِنْسَانِ عَلَى ذَلِكَ وَإِحَاطَتَهُ بِهِ أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ كَالْفَلَكِ؟ وَاَللَّهُ - وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى - أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَظُنَّ ذَلِكَ بِهِ وَإِنَّمَا يَظُنُّهُ