وَجَوَّزَ أَحْمَد أَنْ يُرْفَعَ الْمَسْجِدُ الَّذِي عَلَى الْأَرْضِ وَيُبْنَى تَحْتَهُ سِقَايَةٌ لِلْمَصْلَحَةِ. وَإِنْ تَنَازَعَ الْجِيرَانُ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَحْنُ شُيُوخٌ لَا نَصْعَدُ فِي الدَّرَجِ وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ بِنَاءَهُ. فَقَالَ أَحْمَد: يَنْظُرُ إلَى مَا يَخْتَارُ الْأَكْثَرُ. وَقَدْ تَأَوَّلَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ هَذَا عَلَى أَنَّهُ ابْتَدَأَ الْبِنَاءَ وَمُحَقِّقُو أَصْحَابِهِ يَعْلَمُونَ أَنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ خَطَأٌ؛ لِأَنَّ نُصُوصَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ صَرِيحَةٌ بِتَحْوِيلِ الْمَسْجِدِ. فَإِذَا كَانَ أَحْمَد قَدْ أَفْتَى بِمَا فَعَلَهُ الصَّحَابَةُ حَيْثُ جَعَلُوا الْمَسْجِدَ غَيْرَ الْمَسْجِدِ؛ لِأَجْلِ الْمَصْلَحَةِ مَعَ أَنَّ حُرْمَةَ الْمَسْجِدِ أَعْظَمُ مِنْ حُرْمَةِ سَائِر الْبِقَاعِ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {أَحَبُّ الْبِقَاعِ إلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا وَأَبْغَضُ الْبِقَاعِ إلَى اللَّهِ أَسْوَاقُهَا} فَإِذَا جَازَ جَعْلُ الْبُقْعَةِ الْمُحْتَرَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ بُقْعَةً غَيْرَ مُحْتَرَمَةٍ لِلْمَصْلَحَةِ فَلَأَنْ يَجُوزَ جَعْلُ الْمُشْتَرَكَةِ الَّتِي لَيْسَتْ مُحْتَرَمَةً كَالطَّرِيقِ الْوَاسِعِ بُقْعَةً مُحْتَرَمَةً وَتَابِعَةً لِلْبُقْعَةِ الْمُحْتَرَمَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى؛ فَإِنَّهُ لَا رَيْبَ أَنَّ حُرْمَةَ الْمَسَاجِدِ أَعْظَمُ مِنْ حُرْمَةِ الطُّرُقَاتِ وَكِلَاهُمَا مَنْفَعَةٌ مُشْتَرَكَةٌ.