وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأُمَّةَ أَنْ يُبَلِّغَ عَنْهُ مَنْ شَهِدَ لِمَنْ غَابَ، وَدَعَا لِلْمُبَلِّغِينَ بِالدُّعَاءِ الْمُسْتَجَابِ، فَقَالَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: {بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً؛ وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ؛ وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ} . وَقَالَ أَيْضًا فِي خُطْبَتِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: {أَلَا لِيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ} . وَقَالَ أَيْضًا: {نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأَ سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَبَلَّغَهُ إلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْهُ، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرِ فَقِيهٍ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ؛ ثَلَاثٌ لَا يَغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ: إخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ وَمُنَاصَحَةُ وُلَاةِ الْأَمْرِ، وَلُزُومُ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ؛ فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ} . وَفِي هَذَا دُعَاءٌ مِنْهُ لِمَنْ بَلَّغَ حَدِيثَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَقِيهًا وَدُعَاءٌ لِمَنْ بَلَّغَهُ وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَمِعُ أَفْقَهَ مِنْ الْمُبَلِّغِ؛ لِمَا أُعْطِيَ الْمُبَلِّغُونَ مِنْ النَّضْرَةِ؛ وَلِهَذَا قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَة: لَا تَجِدُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ إلَّا وَفِي وَجْهِهِ نَضْرَةٌ؛ لِدَعْوَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَالُ: نَضَرَ وَنَضُرَ، وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ. وَلَمْ يَزَلْ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ يُعَظِّمُونَ نَقَلَةَ الْحَدِيثِ حَتَّى قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذَا رَأَيْت رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ فَكَأَنِّي رَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ هَذَا؛ لِأَنَّهُمْ فِي مَقَامِ الصَّحَابَةِ مِنْ تَبْلِيغِ حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا أَهْلُ الْحَدِيثِ حَفِظُوا فَلَهُمْ عَلَيْنَا الْفَضْلُ؛ لِأَنَّهُمْ حَفِظُوا لَنَا اهـ.