مجموع الفتاوي (صفحة 14279)

الأصل في العبادات الشرع، وفي العادات العفو

وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ. وَمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ حَدٌّ فِي اللُّغَةِ وَلَا فِي الشَّرْعِ: فَالْمَرْجِعُ فِيهِ إلَى عُرْفِ النَّاسِ كَالْقَبْضِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " {مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ} . وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْبَيْعَ وَالْإِجَارَةَ وَالْهِبَةَ وَنَحْوَهَا لَمْ يَحُدَّ الشَّارِعُ لَهَا حَدًّا؛ لَا فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا سُنَّةِ رَسُولِهِ وَلَا نُقِلَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَنَّهُ عَيَّنَ لِلْعُقُودِ صِفَةً مُعَيَّنَةً مِنْ الْأَلْفَاظِ أَوْ غَيْرِهَا أَوْ قَالَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ: مِنْ أَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِالصِّيَغِ الْخَاصَّةِ؛ بَلْ قَدْ قِيلَ: إنَّ هَذَا الْقَوْلَ مِمَّا يُخَالِفُ الْإِجْمَاعَ الْقَدِيمَ وَإِنَّهُ مِنْ الْبِدَعِ. وَلَيْسَ لِذَلِكَ حَدٌّ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ بِحَيْثُ يُقَالُ: إنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ يُسَمُّونَ هَذَا بَيْعًا وَلَا يُسَمُّونَ هَذَا بَيْعًا حَتَّى يَدْخُلَ أَحَدُهُمَا فِي خِطَابِ اللَّهِ وَلَا يَدْخُلُ الْآخَرُ؛ بَلْ تَسْمِيَةُ أَهْلِ الْعُرْفِ مِنْ الْعَرَبِ هَذِهِ الْمُعَاقَدَاتِ بَيْعًا: دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا فِي لُغَتِهِمْ تُسَمَّى بَيْعًا، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ اللُّغَةِ وَتَقْرِيرُهَا؛ لَا نَقْلُهَا وَتَغْيِيرُهَا، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ حَدٌّ فِي الشَّرْعِ وَلَا فِي اللُّغَةِ كَانَ الْمَرْجِعُ فِيهِ إلَى عُرْفِ النَّاسِ وَعَادَاتِهِمْ. فَمَا سَمَّوْهُ بَيْعًا فَهُوَ بَيْعٌ وَمَا سَمَّوْهُ هِبَةً فَهُوَ هِبَةٌ. الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ تَصَرُّفَاتِ الْعِبَادِ مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ نَوْعَانِ: عِبَادَاتٌ يَصْلُحُ بِهَا دِينُهُمْ وَعَادَاتٌ يَحْتَاجُونَ إلَيْهَا فِي دُنْيَاهُمْ، فَبِاسْتِقْرَاءِ أُصُولِ الشَّرِيعَةِ نَعْلَمُ أَنَّ الْعِبَادَاتِ الَّتِي أَوْجَبَهَا اللَّهُ أَوْ أَحَبَّهَا لَا يَثْبُتُ الْأَمْرُ بِهَا إلَّا بِالشَّرْعِ. وَأَمَّا الْعَادَاتُ فَهِيَ مَا اعْتَادَهُ النَّاسُ فِي دُنْيَاهُمْ مِمَّا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015