مِنْ السَّلَفِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ مَا يُوَافِقُ قَوْلَهُمْ، وَلَعَلَّهُ هُوَ الْغَالِبُ عَلَى نُصُوصِهِ؛ بَلْ قَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِالْفِعْلِ وَالْقَوْلِ، وَاحْتَجَّ عَلَى أَنَّهُ يَقَعُ بِالْكِتَابِ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " {إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ بِهِ أَوْ تَعْمَلْ بِهِ} قَالَ: وَإِذَا كَتَبَ فَقَدْ عَمِلَ. وَذَهَبَ الْبَغْدَادِيُّونَ الَّذِينَ كَانُوا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَامِدٍ وَمَنْ اتَّبَعَهُمْ كَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَمَنْ سَلَكَ سَبِيلَهُ: أَنَّهُ لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ إلَّا بِالْكَلَامِ وَذَكَرُوا مِنْ كَلَامِ أَحْمَد مَا اعْتَمَدُوهُ فِي ذَلِكَ؛ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفُرْقَةَ فَسْخُ النِّكَاحِ وَالنِّكَاحُ يَفْتَقِرُ إلَى لَفْظٍ، فَكَذَلِكَ فَسْخُهُ. وَأَمَّا النِّكَاحُ: فَقَالَ هَؤُلَاءِ كَابْنِ حَامِدٍ وَالْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ مِثْلَ أَبِي الْخَطَّابِ وَعَامَّةِ الْمُتَأَخِّرِينَ: إنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِلَفْظِ الْإِنْكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ لِأَنَّ الْكِنَايَةَ تَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ وَالشَّهَادَةُ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ وَالشَّهَادَةُ عَلَى النِّيَّةِ غَيْرُ مُمْكِنَةٍ. وَمَنَعُوا مِنْ انْعِقَادِ النِّكَاحِ بِلَفْظِ الْهِبَةِ أَوْ الْعَطِيَّةِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ أَلْفَاظِ التَّمْلِيكِ. وَقَالَ أَكْثَرُ هَؤُلَاءِ - كَابْنِ حَامِدٍ وَالْقَاضِي والمتأخرين - إنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِلَفْظِ الْعَرَبِيَّةِ لِمَنْ يُحْسِنُهَا فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَعَلُّمِهَا انْعَقَدَ بِمَعْنَاهَا الْخَاصِّ بِكُلِّ لِسَانٍ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى تَعَلُّمِهَا فَفِيهِ وَجْهَانِ؛