الثَّانِي: أَنَّ لُغَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْلَ مَدِينَتِهِ فِي " أَهْلِ الْمَغْرِبِ " هُمْ أَهْلُ الشَّامِ وَمَنْ يُغَرِّبُ عَنْهُمْ. كَمَا أَنَّ لُغَتَهُمْ فِي أَهْلِ الْمَشْرِقِ هُمْ أَهْلُ نَجْدٍ وَالْعِرَاقِ فَإِنَّ التَّغْرِيبَ وَالتَّشْرِيقَ مِنْ الْأُمُورِ النِّسْبِيَّةِ فَكُلُّ بَلَدٍ لَهُ غَرْبٌ قَدْ يَكُونُ شَرْقًا لِغَيْرِهِ وَلَهُ شَرْقٌ قَدْ يَكُونُ غَرْبًا لِغَيْرِهِ. فَالِاعْتِبَارُ فِي كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا كَانَ غَرْبًا وَشَرْقًا لَهُ حَيْثُ تَكَلَّمَ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَهِيَ الْمَدِينَةُ. وَمَنْ عَلِمَ حِسَابَ الْأَرْضِ كَطُولِهَا وَعَرْضِهَا عَلِمَ أَنَّ حَرَّانَ وَالرَّقَّةَ وسيمسياط عَلَى سَمْتِ مَكَّةَ وَأَنَّ الْفُرَاتَ وَمَا عَلَى جَانِبَيْهَا بَلْ أَكْثَرُهُ عَلَى سَمْتِ الْمَدِينَةِ بَيْنَهُمَا فِي الطُّولِ دَرَجَتَانِ. فَمَا كَانَ غَرْبِيِّ الْفُرَاتِ فَهُوَ غَرْبِيَّ الْمَدِينَةِ وَمَا كَانَ شَرْقِيَّهَا فَهُوَ شَرْقِيُّ الْمَدِينَةِ. فَأَخْبَرَ أَنَّ أَهْلَ الْغَرْبِ لَا يَزَالُونَ ظَاهِرِينَ وَأَمَّا أَهْلُ الشَّرْقِ فَقَدْ يَظْهَرُونَ تَارَةً وَيُغْلَبُونَ أُخْرَى. وَهَكَذَا هُوَ الْوَاقِعُ؛ فَإِنَّ جَيْشَ الشَّامِ مَا زَالَ مَنْصُورًا وَكَانَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يُسَمُّونَ " الأوزاعي " إمَامَ أَهْلِ الْمَغْرِبِ وَيُسَمُّونَ " الثَّوْرِيّ " شَرْقِيًّا وَمِنْ أَهْلِ الْمَشْرِقِ. وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهَا خِيرَةُ اللَّهِ مِنْ الْأَرْضِ أَوْ أَنَّ أَهْلَهَا خِيرَةُ اللَّهِ وَخِيَارُ أَهْلِ الْأَرْضِ وَاسْتَدَلَّ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِينَ: حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خوالة الأزدي عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {سَتُجَنِّدُونَ