بَعْضًا بِحُسْنِ الِاتِّبَاعِ وَالْوُقُوفِ حَيْثُ وَقَفَ أَوَّلُهُمْ وَحَذَّرُوا مِنْ التَّجَاوُزِ لَهُمْ وَالْعُدُولِ عَنْ طَرِيقَتِهِمْ وَبَيَّنُوا لَنَا سَبِيلَهُمْ وَمَذْهَبَهُمْ وَنَرْجُو أَنْ يَجْعَلَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِمَّنْ اقْتَدَى بِهِمْ فِي بَيَانِ مَا بَيَّنُوهُ؛ وَسُلُوكِ الطَّرِيقِ الَّذِي سَلَكُوهُ. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَهُمْ مَا ذَكَرْنَاهُ: أَنَّهُمْ نَقَلُوا إلَيْنَا الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ وَأَخْبَارَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَقْلَ مُصَدِّقٍ لَهَا مُؤْمِنٍ بِهَا قَابِلٍ لَهَا؛ غَيْرِ مُرْتَابٍ فِيهَا؛ وَلَا شَاكٍّ فِي صِدْقِ قَائِلِهَا وَلَمْ يُفَسِّرُوا مَا يَتَعَلَّقُ بِالصِّفَاتِ مِنْهَا وَلَا تَأَوَّلُوهُ وَلَا شَبَّهُوهُ بِصِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ إذْ لَوْ فَعَلُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَنُقِلَ عَنْهُمْ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُكْتَمَ بِالْكُلِّيَّةِ. إذْ لَا يَجُوزُ التَّوَاطُؤُ عَلَى كِتْمَانِ مَا يُحْتَاجُ إلَى نَقْلِهِ وَمَعْرِفَتِهِ لِجَرَيَانِ ذَلِكَ فِي الْقُبْحِ مَجْرَى التَّوَاطُؤِ عَلَى نَقْلِ الْكَذِبِ وَفِعْلِ مَا لَا يَحِلُّ. بَلْ بَلَغَ مِنْ مُبَالَغَتِهِمْ فِي السُّكُوتِ عَنْ هَذَا: أَنَّهُمْ كَانُوا إذَا رَأَوْا مَنْ يَسْأَلُ عَنْ الْمُتَشَابِهِ بَالَغُوا فِي كَفِّهِ تَارَةً بِالْقَوْلِ الْعَنِيفِ؛ وَتَارَةً بِالضَّرْبِ وَتَارَةً بِالْإِعْرَاضِ الدَّالِّ عَلَى شِدَّةِ الْكَرَاهَةِ لِمَسْأَلَتِهِ. وَلِذَلِكَ لَمَّا بَلَغَ عُمْرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ صَبِيغًا يَسْأَلُ عَنْ الْمُتَشَابِهِ أَعَدَّ لَهُ عَرَاجِينَ النَّخْلِ فَبَيْنَمَا عُمَرُ يَخْطُبُ قَامَ فَسَأَلَهُ عَنْ: {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا} {فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا} وَمَا بَعْدَهَا. فَنَزَلَ عُمَرُ فَقَالَ: " لَوْ وَجَدْتُك مَحْلُوقًا لَضَرَبْت الَّذِي فِيهِ عَيْنَاك بِالسَّيْفِ " ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَضُرِبَ ضَرْبًا شَدِيدًا وَبَعَثَ بِهِ إلَى الْبَصْرَةِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ لَا يُجَالِسُوهُ فَكَانَ بِهَا كَالْبَعِيرِ الْأَجْرَبِ لَا يَأْتِي مَجْلِسًا إلَّا قَالُوا: " عَزْمَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ " فَتَفَرَّقُوا عَنْهُ حَتَّى تَابَ وَحَلَفَ بِاَللَّهِ مَا بَقِيَ يَجِدُ مِمَّا كَانَ فِي نَفْسِهِ شَيْئًا فَأَذِنَ عُمَرُ فِي مُجَالَسَتِهِ