وَأَحْمَد. وَأَيْضًا فَجَمْعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْجَمْعِ بِغَيْرِهِمَا لِلْعُذْرِ فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ مِنْ الْمُمْكِنِ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ وَيُؤَخِّرَ الْعَصْرَ إلَى دُخُولِ وَقْتِهَا وَلَكِنْ لِأَجْلِ النُّسُكِ وَالِاشْتِغَالِ بِالْوُقُوفِ قُدِّمَ الْعَصْرُ. وَلِهَذَا كَانَ الْقَوْلُ الْمَرْضِيُّ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ يَجْمَعُ بمزدلفة وَعَرَفَةَ مَنْ كَانَ أَهْلُهُ عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ كَذَلِكَ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا صَلَّى صَلَّى مَعَهُ جَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ أَهْلُ مَكَّةَ وَغَيْرُهُمْ وَلَمْ يَأْمُرْ أَحَدًا مِنْهُمْ بِتَأْخِيرِ الْعَصْرِ وَلَا بِتَقْدِيمِ الْمَغْرِبِ فَمَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد: أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ لَا يَجْمَعُونَ فَقَوْلُهُ ضَعِيفٌ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ الْبَيِّنَةِ الْوَاضِحَةِ الَّتِي لَا رَيْبَ فِيهَا؛ وَعُذْرُهُمْ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمْ اعْتَقَدُوا أَنَّ سَبَبَ الْجَمْعِ هُوَ السَّفَرُ الطَّوِيلُ وَالصَّوَابُ أَنَّ الْجَمْعَ لَا يَخْتَصُّ بِالسَّفَرِ الطَّوِيلِ بَلْ يُجْمَعُ لِلْمَطَرِ وَيُجْمَعُ لِلْمَرَضِ كَمَا جَاءَتْ بِذَلِكَ السُّنَّةُ فِي جَمْعِ الْمُسْتَحَاضَةِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهَا بِالْجَمْعِ فِي حَدِيثَيْنِ. وَأَيْضًا فَكَوْنُ الْجَمْعِ يَخْتَصُّ بِالطَّوِيلِ فِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ وَهُمَا وَجْهَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد: أَحَدُهُمَا: يُجْمَعُ فِي الْقَصِيرِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ لَا. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.