وَهَذَا لَا شُبْهَةَ فِيهِ عِنْدِي، وَإِنْ كَانَ فِيهِ نِزَاعٌ؛ فَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْلَا مُضِيُّ السُّنَّةِ بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْكُفَّارِ لَكَانَ مُقْتَضَى هَذَا الْقِيَاسِ عِنْدَ أَصْحَابِهِ طَرْدَهُ فِي حَقِّ الْكَافِرِ أَيْضًا، وَقَدْ رَاعَى أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ ذَلِكَ فِي النِّكَاحِ، فَلَمْ يَمْنَعُوا مِنْهُ إلَّا مَا لَهُ مَسَاغٌ فِي الْإِسْلَامِ، وَالنِّزَاعُ لَا يَهْتِكُ حُرْمَةَ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ بَعْدَ ظُهُورِ حُجَّتِهِ.
فَصْلٌ:
وَلَكِنَّ النَّظَرَ فِي فَصْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مَنْ تَرَكَ الْوَاجِبَ، أَوْ فَعَلَ الْمُحَرَّمَ لَا بِاعْتِقَادِ وَلَا بِجَهْلِ يُعْذَرُ فِيهِ، وَلَكِنْ جَهْلًا وَإِعْرَاضًا عَنْ طَلَبِ الْعِلْمِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْهُ، أَوْ أَنَّهُ سَمِعَ إيجَابَ هَذَا، وَتَحْرِيمَ هَذَا، وَلَمْ يَلْتَزِمْهُ إعْرَاضًا. لَا كُفْرًا بِالرِّسَالَةِ، فَهَذَانِ نَوْعَانِ يَقَعَانِ كَثِيرًا مَنْ تَرَكَ طَلَبَ الْعَامِّ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، حَتَّى تَرَكَ الْوَاجِبَ وَفَعَلَ الْمُحَرَّمَ، غَيْرَ عَالِمٍ بِوُجُوبِهِ وَتَحْرِيمِهِ أَوْ بَلَغَهُ الْخِطَابُ فِي ذَلِكَ، وَلَمْ يَلْتَزِمْ اتِّبَاعَهُ، تَعَصُّبًا لِمَذْهَبِهِ. أَوْ اتِّبَاعًا لِهَوَاهُ، فَإِنَّ هَذَا تَرَكَ الِاعْتِقَادَ الْوَاجِبَ بِغَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ. كَمَا تَرَكَ الْكَافِرُ الْإِسْلَامَ. فَإِنَّ الِاعْتِقَادَ هُوَ الْإِقْرَارُ بِالتَّصْدِيقِ، وَالِالْتِزَامِ، فَقَدْ يَتْرُكُ التَّصْدِيقَ