المسألة الثالثة: يجوز الاستثناء في الإيمان، وهل يعني ذلك أن الإنسان يلزمه دائماً أن يقول: إن شاء الله في كل قربة يعملها؟ لا يلزمه، والأصل في الاستثناء في الإيمان وسؤال الناس عن الإيمان أنه من الأمور الحادثة، ولذلك فإن السلف لما بدأت ظاهرة سؤال الناس عن الإيمان اعتبروه بدعة؛ لأن هذه من الأمور المحدثة في الدين، والناس يتركون على ظواهرهم، ويحمل المؤمنون والمسلمون على مجملات الدين وعلى ما هم عليه، ولا يجوز امتحانهم، ولكن إذا وقع السؤال بأن سُئلت أو سئل غيرك: هل أنت مؤمن؟ فالأولى أن تقول: أنا مؤمن إن شاء الله، أو تقول: آمنت بالله وعليه توكلت، ونحو ذلك.
فيجوز أن تقول: إن شاء الله، لكنها غير ملزمة، لكن يجب أن تعتقد أن حقيقة الإيمان مرتبطة بمشيئة الله عز وجل، وبتوفيق الله، فتحقق الإيمان في المؤمن راجع إلى توفيق الله له، فعلى هذا لابد أن يستثني، لا لأنه يشك، إنما يستثني لأنه لا يدري عن المصير؛ ولأنه يقول: إن شاء الله تفاؤلاً، واستعانة بالله، وتوكلاً على الله.
وقوله: (فقول القلب اعتقاده وتصديقه) ويضاف إلى ذلك جميع الأحوال القلبية التي يكون بها الإيمان، مثل: محبة الله ورجائه وخوفه واليقين والإنابة والتوكل، إلى غير ذلك من الأعمال القلبية.
والاعتقاد بأن يجزم المسلم بكل ما ثبت في الكتاب والسنة من أصول الدين وثوابته وأحكامه، ويدخل في هذا القلب.
لكن لا بد أن يتعدى ذلك إلى قول اللسان، بأن يعترف الإنسان بلسانه بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وبمعاني الإيمان والإسلام، وأيضاً يلتزم شرع الله فيما يجب من الذكر اللساني، والذكر اللساني في الصلوات وغيرها، وفي التلبية بل لا يكاد يحصر الذكر اللساني، وكله تعبير عن الإيمان باللسان.
ثم قول اللسان يدخل فيه الإقرار، ويدخل فيه أيضاً الذكر، وعمل القلب كذلك تسليمه وإخلاصه، فمن عمل القلب: التسليم والرضا بشرع الله وحكمه، فهو داخل، بل هذا ثمرة الإيمان، التسليم والرضا والاستعداد للعمل أمر قلبي، لا بد أن تنتج عنه أعمال، ولذلك فإن الله عز وجل جعل العمل امتحاناً لحقيقة الدعوى قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:31].
فالاتباع هو اتباع النبي صلى الله عليه وسلم في كل ما جاء به من الدين، ومحبة الله هي حقيقة الإيمان، وهي أول أركان العبادة، فمن ادعى أن حب الله هو مجرد دعوى في القلب، فلابد أن يظهر ذلك على أثر أعماله، ومن هنا يتبين لنا حقيقة الإيمان، وأنه قول وعمل، وأنه يدخل في أعمال القلب وأعمال الجوارح.
قوله: (وإخلاصه) أي: صدق النية مع الله، والإخلاص هو صدق التوجه إلى الله، وأن لا يشرك مع الله أحداً في التوجه، والإخلاص هو إخلاص العبادة، وإخلاص الإذعان، وإخلاص اليقين، وإخلاص النية؛ لأن النية تدخل في الأمور القلبية وأمور الأعمال، وكذلك حبه وإرادته للأعمال الصالحة.
وعمل الجوارح هي: أعضاء الإنسان ومنها القلب فهو يدخل مع الجوارح، لكن القلب قد يكون عمله باطنياً، بمعنى أعمال قلبية غير ظاهرة، لكن من البدهي أن الأعمال القلبية لا تصدق ولا تصح إلا إذا أثمرت أعمالاً، والتي هي مجموع الاستقامة على الدين.
فعمل الجوارح هو فعل المأمورات وترك المنهيات، فعل ما أمر الله به من الصلاة وما دونها من جميع الأعمال إلى أقل الأعمال، ثم ترك المنهيات، وهي كل المحرمات والمكروهات وما دون ذلك من المشتبهات.