لفظ الإيمان من الألفاظ المجملة التي إذا جاء الشرع بتحديدها أو بوصفها على هيئة معينة فإنه يجب التزام هذا الوصف كسائر المصطلحات الشرعية، لأن الأمر لا يخص الإيمان فقط، بل أكثر المصطلحات الشرعية جاء الشرع في التوسع بدلالتها أو بتحديدها، وذلك بوضع مصطلح شرعي إما أن يكون أوسع من المصطلح اللغوي أو يحدده.
مثال ذلك: الصلاة، فالصلاة لغة هي عموم الصلة، ويدخل فيها الدعاء، والتقرب إلى الله بأي عمل، ويدخل فيها كثير من الأعمال اللسانية والقلبية، وعمل الجوارح، وتسمى صلاة لغة، لكن حدد الشرع مفهوم الصلاة بركن الإسلام المعروف، فبين لنا في النصوص الشرعية لأنه يقصد بالصلاة هذه العبادة التي جاءت على هيئة معينة، بركوعها وسجودها ووقتها وشروطها وواجباتها.
إذاً: الشرع حدد معنى الصلاة، فمن هنا إذا أطلق معنى الصلاة في الدين فإنه يعني ركن الإسلام المعروف، الذي جاء الشرع بتحديد هيئته وشروطه.
وكذلك الإيمان له معنى لغوي عام، وهو: التصديق، لكن الشرع وضع للإيمان مفهوماً اصطلاحياً عظيماً يشمل الدين كله، فالإيمان في الشرع هو الدين بمجمله، كما قلنا: إن الإسلام هو الدين بمجمله، والسنة هي الدين بمجمله.
ولكن نظراً لأن مفهوم الدين وردت فيه مصطلحات شرعية، تترادف أحياناً وتختلف أحياناً في بعض معانيها، وتجتمع في أمور، وتختلف في أمور، فالله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم سميا الدين الإسلام والإيمان إلى آخره.
فالإيمان بالمصطلح الشرعي هو اعتقادات وأقوال وأعمال حددها الشرع، وهذا يشمل عامة الدين.
والإيمان له تعريف موجز كما عبر عنه السلف وهو: قول وعمل.
وتعريف مفصل وهو: اعتقاد القلب، وقول اللسان، وعمل الأركان والجوارح، والجوارح هي الأعضاء.
وليس بين التعريفين تعارض، بل الأول المجمل يعتبر تعريفاً حدياً أقرب أو أدق في المعنى اللغوي، لكن نظراً لأن اللغة ضعفت في أذهان الناس، اضطر السلف للتفصيل، وإلا فإن الإيمان في أصل تعريفه هو قول وعمل، والقول يشمل قول اللسان، وقول القلب؛ لأن القلب يعبر عن قوله باللسان.
كما أنه يشمل عمل القلوب الذي هو الأمور الإيمانية من التقوى والصلاح والاستقامة والإنابة والخوف والرجاء والمحبة، وكل هذا يسمى عمل القلب، وعمل القلب وعمل الجوارح هي الأعضاء التي تتمثل بأركان الإسلام الخمسة: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؛ لأنها قول اللسان وهي عمل اللسان، ثم الصلاة والزكاة والحج وسائر أعمال الإسلام هي إيمان، ومن هنا تدخل في جزء من حقيقة الإيمان، وهي أنها عمل.
وعلى هذا فحقيقة الإيمان الشرعية تشمل الأمرين: الأمور القلبية، والأمور العملية التي هي أعمال الجوارح كما جاء به الشرع، وعلى هذا فيمكن أن نحدد هذا المفهوم بلغة أبسط، وهي: أن الإيمان التزام شرع الله اعتقاداً وعملاً.
إذاً: الإيمان أدخل فيه الاعتقاد والأعمال وهما لا ينفكان، ولا يجوز حصر الإيمان في نوع واحد كالأمور الاعتقادية فقط؛ لأن هذا يخرج الأعمال التي هي جزء من الإيمان، ولا تحصر أيضاً في الأمور العملية؛ لأن هذا يخرج الأمور القلبية من الإيمان، فعلى هذا فالإيمان لا يكتمل تعريفه وحقيقته شرعاً إلا بأن نجمع بين الاعتقاد والقول والعمل.
ولذا فإن الإيمان يزيد وينقص، وهذه تسمى مسائل الإيمان؛ لأن الإيمان يتمثل بأركان هي أركان الإيمان الستة المعروفة: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والإيمان بالقدر خيره وشره من الله عز وجل، ويتمثل الإيمان كذلك بالأعمال التي هي أمور الإسلام.
وينقسم الإيمان من حيث حقيقته إلى: أركان الإيمان وإلى مسائل الإيمان، فأركان الإيمان هي الستة المعروفة، وأما مسائل الإيمان فهي: أولاً: أن الإيمان قول وعمل، أو أن الإيمان اعتقاد القلب، ونطق اللسان بالحق، وكذلك عمل الجوارح على مقتضى شرع الله.
ثانياً: أن الإيمان يزيد وينقص.
ثالثاً: أن الأعمال تدخل في مسمى الإيمان.
رابعاً: جواز الاستثناء في الإيمان؛ لأنه راجع إلى أعمال المكلفين، وأعمال المكلفين ليست معصومة، فالمسلم عندما يُسأل: هل أنت مؤمن؟ يجوز أن يقول: أنا مؤمن إن شاء الله، مع أنه لا يشرع السؤال أصلاً، ولا ينبغي الجواب أيضاً، لكن إذا ابتلي المؤمن بمثل هذا السؤال فيقول: أنا مؤمن إن شاء الله، لا لأنه متشكك في تصديقه؛ لكن لأنه لا يدري عن مصيره، لأن المصير عند الله عز وجل، فهو يرجو ويعلق الأمر بمشيئة الله تفاؤلاً وتبركاً، ويعلق الأمر بمشيئة الله؛ لأن الأمر بيد الله من قبل ومن بعد، فلا يجوز التألي على الله.