الله هو الذي خلق بعلمه وقدرته، وأرشد وهدى بلطفه ورحمته، فأرسل إلى الإنسان ما يحقق إنسانيته ويرشده إلى قيمة القيم في السلوك الإنساني والحياة البشرية بامتدادها الأفقي، وعمقها الشاقولي، ومن المسلم به أن مخترع الحاجة أعلم بما يصونها ويحفظها من التلف، وهو الأدرى بإصلاحها إن أصابها شيء من عطب، فالله هو الخالق، والله هو الهادي، والله على كل شيء قدير: {أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}.

وما أجمل وصف الرسول الكريم لما أتى به، وما أوجز عبارته وأعمقها تحذيراً من التفلتْ وترغيباً في الالتزام حيث قال: "أَلَا وَإِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ: أَحَدُهُمَا كِتَابُ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- هُوَ حَبْلُ اللهِ، مَنِ اتَّبَعَهُ، كَانَ عَلَى الْهُدَى، وَمَنْ تَرَكَهُ، كَانَ عَلَى ضَلَالَةٍ" ... مسلم (2408) (37). وحيث قال: "تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا: كِتَابَ الله، وَسُنَّتِي".

لقد آمن الصحابة الكرام الإيمان العميق بصدق الرسالة وخيرها فاحتضنوها وأحاطوها بمقل العيون، بل زرعوها في سويداء القلوب، وحولوا ما جاء فيها من مبادئ إلى سلوك يومي لأنها دستور الإصلاح العام: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}.

فهي تهذيب للنفس وسمو بها إلى عالم الأمن والأمان والسلامة والإسلام، ترسم لها أسلوب التعامل مع ذاتها، وتوضح لها أطر العلاقات مع الخلق الذين هم عيال الله، وتزرع في عمقها "أَن أَحَبَّ الْخَلْقِ إلَى الله أَنْفَعُهُمْ لِعِيَالِهِ".

وهي تهذيب للمجتمع حتى لا يُفْرِطَ ولا يُفَرِّط، فهو الحامي للفرد من كل طغيان، وهو الصاعد بالفرد من حدود الذات، فالمجتمع كالجسم يكون سليماً بسلامة أعضائه. ولكنه يضعف إذا اعتل أحد الأعضاء، فهو الذي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015