ولكن كيف أقع عليها وهي غرقى في بحر شهرة العراقي الذي ابتلعها في جملة ما ابتلع.
لقد عاش الهيثمي في عصر كان العراقي فيه محط الآمال، ونهاية ما تتطلع إليه أحلام الرجال.
لقد كان كما قال النابغة للنعمان بن المنذر:
فَإنَّكَ شَمْسٌ وَالْمُلُوكُ كَوَاكِبٌ ... إذَا طَلَعَتْ لَمْ يَبْدُ مِنْهُنَّ كَوْكَبُ
لقد أخملت شهرة العراقي كل شهرة، وحالت مظلته دون تفتح براعم لو كانت في غير زمانه، لعطر الكون شذاها. ولذلك فإن كثيراً من الناس أصبحوا لا يرون إلا من خلال شيخه، ولا يرون فيه إلا ما دربه عليه سيده، أو صنعه من أجله.
نعم أفاد الهيثمي من شيخه، وهذا أمر مجمع عليه، ولكن السؤال الذي يتطلب الإجابة: هل أفاد العراقي وهو الحافظ العلم من تلميذه وخادمه، فصاحبه، فصهره الحافظ الهيثمي؟.
ولكي نجيب على هذا السؤال لابد أن نقول: لقد ولد الهيثمي لأسرة عاشت في الظل، على هامش الحياة، في صحراء استلقت بعيداً عن صخب الحياة وصراع المتصارعين، لا يزعجها عجيجهم، ولا يكدها ضجيجهم.
وقد مر بظروف مجهولة لأن أسرته ليس لها من الثراء، أو الوجاهة الاجتماعية شيء حتى يذكرها الذاكرون، ولم نستطع أن نعرف عنه شيئاً قبل صحبته علم الأعلام، وحافظ الإسلام الى عطف عليه، وأحسن إليه.
فالهيثمي إنسان نشأ فقيراً، والفقر يقصر الخيال، ولكنه ليس بسبة تضع من أقدار الرجال، نعم نشأ فقيراً لا يملك مالاً، ولكن أسرته التي لا تملك من المال والمكانة الاجتماعية أو العلمية ما يلفت إليها نظر الدارسين