الفلسفي الوافد والهجين، فقابله بحرب لا تهدأ لإحلال الفكر السني، فركز على نشر الحديث والمذاهب الأربعة، وبنى المدارس في مصر والشام، واستدعى العلماء والفقهاء، وأغراهم بالحضور، وسار خلفاؤه على سننه ونهجوا نهجه.
واستمرت سياسة المماليك في نشر المذاهب الأربعة مع التعصب الشديد لها، وبناء المدارس، والجوامع، وجمع الكتب المختلفة في التفسير والحديث وعلوم القرآن، وعلوم اللغة، والتاريخ، والجغرافيا، والسير، والطب والصيدلة.
ومع هذا كله فإن المماليك لم يدَّعوا لأنفسهم السلطة الدينية، بل احتفظوا بالسلطة الزمنية والسياسية، وكثيراً ما كان يثور الخلاف بين السلطتين الدينية والزمنية، فيمتلئ صدر العلماء بالضيق لجهل المماليك وتهورهم وظلمهم، واقرأ معي نفثه قاضي القضاة تقي الدين بن دقيق العيد المصدور إذ قال:
أَهْلُ الْمَنَاصِبِ فِي الدُّنْيَا وَرِفْعَتِهَا ... أَهْلُ الْفَضَائِلِ مَرْذُولُونَ بَيْنَهُمُ
قَدْ أَنْزَلُونَا لأنَّا غَيْرُ جِنْسِهِمُ ... مَنَازِلَ الْوَحْشِ فِي الإهْمَالِ عِنْدَهُمُ
فَمَا لَهُمْ فِىِ تَوَقِّي ضُرِّنَا نَظَرٌ ... وَلاَ لَهُمْ فِي تَرَقِّي قَدْرِنَا هِمَمُ
فَلَيْتَنَا لَوْ قَدِرْنَا أَنْ نُعَرِّفَهُمْ ... مِقْدَارَهُمْ عِنْدَنَا أَوْ لَوْ دَرَوهُ هُمُ
لَهُمْ مُريحَانِ: مِنْ جَهْلٍ وَفَرْطِ غِنىً ... وَعِنْدَنَا الْمُتْعِبَانِ: الْعِلْمُ، وَالْعَدَمُ