ومن هذه التعريفات للأموال يتضح لنا أن الإنسان ليس من الأعيان التي يقال عنها: إنها مال، أو أنه يجري عليها الملك، أو أنه يجوز التصرف فيها كما يتصرف في الأموال.

ثالثاً: أن قول المجيزين لبيع لبن الآدمية الحرة: إن اللبن مشروب طاهر منتفع به فيحل بيعه قياساً على حل بيع المشروبات الطاهرة المنتفع بها ... يمكن أن يراد عليهم بما يرد عليهم به الحنفية حيث قالوا:

(نحن نمنع أنه مشروب مطلقاً، بل للضرورة، حتى إذا استغنى الطفل عن الرضاع لا يجوز شربه، والانتفاع به يحرم) .

ثم بين المذهب أن خلافاً جرى في كونه يصح الانتفاع به في التداوي فقالوا: (إن بعض العلماء منع صبه في العين الرمداء، وبعضهم أجازه إذا علم فيه الشفاء، وقد نقل ابن عابدين عن فتح القدير أن أهل الطب يثبتون نفعاً للبن البنت للعين، وهي من أفراد مسألة الانتفاع بالمحرم للتداوي كالخمر، واختار في النهاية والخانية الجواز إذا علم فيه الشفاء، ولم يجد دواء غيره.

فالقول في الاستدلال بأنه مشروب طاهر إلى آخره، منعه بعض الفقهاء ولم يجعلوه مشروباً طاهراً جائزاً بيعه، بل قالوا: إنه ليس مشروباً وإنه أبيح استثناء رضاعه للطفل حفاظاً على حياته ... وفيما عدا ذلك يحرم، فهذا الدليل غير مسلم عند كل الفقهاء فهو استدلال بمختلف فيه، ومثله لا يصلح للاستدلال، وتبقى الأدلة الأخرى سالمة عن المعارضة.

رابعاً: أن القول بأنه منتفع به، وإن ما كان منتفعاً به وإن قلت منفعته يجوز بيعه، غير مسلم على إطلاقه؛ إذ كل المحرمات لا تعدم نوعاً من النفع، وحسبنا قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة: 219] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015