الرأي الثاني: يرى مالك (?) والشافعية في رأي آخر وبعض الحنابلة (?) والظاهرية جواز بيع لبن الآدمية الحرة إذا حلب، وقد استدلوا على ذلك بما يأتي:
1- أن هذا اللبن هو لبن أبيح شربه، فأبيح بيعه قياساً على لبن سائر الأنعام.
2- أو هو مشروب طاهر ننتفع به، وما كان كذلك يجوز بيعه قياساً على المشروبات الطاهرة المنتفع بها.
3- أن في اللبن منفعة، فهو شيء منتفع به، وأنه يكفي في جواز بيع الشيء وجود أصل المنفعة وإن قلَّت وقلَّت قيمتها، فيصح بيع التراب والماء ولبن الآدميات قياسا على لبن الغنم.
الترجيح: والناظر في الأدلة التي استند إليها كل من الرأيين يجد رجحان الرأي الأول الذي يرى عدم جواز بيع لبن الآدمية الحرة وذلك للاعتبارات التالية:
أولاً: لا ينكر أحد من العلماء ـ سواء من منع أو من أجاز ـ أن الآدمي مكرم شرعاً وأنه غير مبتذل، وأن البيع وما شابهه من التصرفات إهانة وابتذال للشيء المبيع وإخضاع له لإرادة بائعه والمتصرف فيه ... ) وأن الإهانة والابتذال للإنسان لا تجوز شرعاً بالاتفاق.
ثانياً: أن الآدمي الحر ليس مالاً يباع ويشترى، ويوهب ويتصدق به. ويؤكل ...
وهذا بالاتفاق أيضاً ـ ومن ثم لا يجري عليه ما يجري على الأموال
، وإذا نظرت في تعريف الفقهاء للمال عرفت حقاً أن الإنسان ليس مالاً عند جميع الفقهاء.
فالمال عرفه بعض الحنفية بأنه (ما يميل إليه الطبع ويمكن ادخاره للانتفاع به وقت الحاجة) ، وعرفه بعضهم بأنه: (اسم لغير الآدمي خلق لصالح الآدمي، وأمكن إحرازه والتصرف فيه على وجه الاختيار) وعرفه آخرون بأنه: (ما يميل إليه الطبع ويجري فيه البذل والمنع، فخرج التراب ونحوه) .