13- آراء الفقهاء في التأمين:
اتصل التأمين بالفقهاء المسلمين للمرة الأولى في القرن التاسع عشر، ولعل أول فقيه تحدث عن التأمين بصيغته المعهودة اليوم هو العلامة محمد أمين بن عابدين المولود سنة 1784م.
وقد عرف المسلمون عقد التأمين عندئذٍ من البحارة الأوربيين، إذ كانت سفنهم يغطيها التأمين البحري الذي يسمى في ذلك الزمن سكيوريتيه (بالفرنسية) واشتهر عند المسلمين باسم (سوكره) ، فقال فيه ابن عابدين: (إذا عقد في بلد إسلامي كان عقد معاوضة فاسد لا يلزم الضمان به، لأنه التزام ما لا يلزم شرعًا، وهو باطل عند الأحناف) .
وقد اختلف الفقهاء منذ ابن عابدين في حكم التأمين؛ فمنهم من أجازه بلا تحفظ وهم قلة قليلة، ومنهم من أجاز أنواعًا منه حتى لو كان على صفة التأمين التجاري، إلا أن جمهورهم منذ ابن عابدين قد منع التأمين التجاري وأجاز ما يسمى التأمين التعاوني على اختلاف في صيغة الأخير يأتي تفصيلها لاحقًا.
ولعل أول جهد فقهي جماعي يعنى بدراسة التأمين التجاري (على أساس مجمعي) ما وقع في ندوة أسبوع الفقه الإسلامي بدمشق في شوال 1380 هـ (إبريل 1961م) ؛ فقد قُدمت أبحاث فقهية في التأمين تباينت آراء أصحابها، وشهدت تلك الندوة الخلاف الشهير بين مصطفى الزرقا ومحمد أبو زهرة رحمهما الله جميعًا حول المسألة، ولم ينته المؤتمر إلى رأي محدد عدا الدعوة إلى ابتكار نظام إسلامي للتأمين، ثم جرى بحث الموضوع في مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر في مؤتمره الثاني سنة 1385هـ (1965م) ، وأجاز المؤتمرون فيه نظام التقاعد، كما أجازوا قيام الجمعيات التعاونية لغرض التأمين حيث يشترك جميع المستأمنين فيها بالتأمين، ولكنه توقف في مسألة التأمين التجاري.
وفي عام 1392هـ (1972م) دعت ندوة التشريع الإسلامي التي انعقدت بطرابلس ليبيا إلى أن يعمل على إحلال ما أسمته التأمين التعاوني محل التأمين التجاري، وفي عام 1397هـ (1976م) قرر مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية في دورته العاشرة حرمة التأمين بكل أنواعه.
ثم نص قرار المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته الأولى في سنة 1398هـ على تحريم التأمين بجميع أنواعه (وكان القرار بالأكثرية، إذ لم يوافق الشيخ مصطفى الزرقا على هذا القرار وكان عضوًا في المجمع) .